قال محسن عادل، رئيس الهيئة العامة للاستثمار في مصر، إن برنامج الإصلاح الاقتصادي المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي سينقضي بنهاية يونيو/حزيران الجاري، مشيراً إلى قدوم بعثة الصندوق إلى مصر قريباً لتقييم الوضع الاقتصادي، ومنح مصر آخر دفعة من القرض، مؤكداً أن إصلاح الاقتصاد مسألة مستمرة، ولن تتوقف خلال الفترة الراهنة.
ومع الاقتراب من انتهاء البرنامج، تزداد التساؤلات عن جدواه، ومدى استفادة المواطن المصري منه، بعد كل ما تم اتخاذه من قرارات مثيرة للجدل، على مدار الأعوام الثلاثة الماضية.
وتقول الحكومة المصرية إن برنامج الإصلاح الاقتصادي نجح نجاحاً كبيراً، كما تطوّر الأداء الاقتصادي في مصر وأساسياته بشكل ملحوظ، بسبب إجراءات الإصلاح والسياسات المعتمدة.
وعانت أغلبية الدول التي اتبعت برنامجاً للإصلاح الاقتصادي، بتوجيه من صندوق النقد الدولي، من حرص الصندوق على إجراء الإصلاحات الظاهرية، حتى لو كانت غير حقيقية، أو غير مفيدة على المدى الطويل.
ودفعت الحكومة المصرية بحتمية تطبيق برنامج الإصلاح الاقتصادي، من أجل الحصول على قرض الصندوق، الذي وصفته بأنه سيكون "شهادة ثقة للاقتصاد المصري، تسمح بتدفق الاستثمارات الأجنبية إليه، ليتم سد العجز المزمن في ميزان المدفوعات، والذي تسبب في انهيار الجنيه المصري على مدى العقود السابقة".
وتسبب برنامج الإصلاح في تخفيض قيمة الجنيه مقابل الدولار، ورفع معدل الفائدة عليه لأعلى من عشرين بالمائة، الأمر الذي كبد الموازنة العامة للدولة مليارات الجنيهات في صورة فوائد مدفوعة، وعطل الاستثمار والنمو، بسبب ارتفاع تكلفة الأموال، وتسبب في ضياع ثروات المصريين، وانخفاض مستويات معيشتهم، في تخلف واضح عن تحقيق أهداف برنامج الإصلاح، كما أعلنتها بوضوح الدكتورة هالة السعيد وزيرة التخطيط، حيث قالت: "يهدف البرنامج إلى تحقيق تحول كبير في مؤشرات الأداء الاقتصادي الرئيسية في مصر، من أجل هدف نهائي، هو رفع جودة الحياة للمصريين على أساس قوي ودائم".
ومع إصرار البرنامج على تقليص الإنفاق الحكومي، وتحديداً الموجه إلى دعم الوقود والكهرباء والمياه ورغيف العيش، وتخفيض بند أجور ومرتبات موظفي الحكومة، ببيع بعض شركاتها، لم يجن المواطن المصري ثمار انخفاض عجز الموازنة، بعد أن استحوذ بند الفوائد المدفوعة على أكثر من خمسين بالمائة من إيرادات الدولة، ومع إضافة أقساط الديون المستحقة إلى فوائدها، ترتفع النسبة إلى أكثر من ثمانين بالمائة!
ورغم احتفاء الحكومة، ومعها صندوق النقد، بتحقيق فائض أولي، لأول مرة منذ عقود، في الموازنة العامة للدولة، إلا أن استحواذ خدمة الدين وأقساطه على نسبة كبيرة من الإنفاق العام، تسبب في انخفاض ما يتم توجيهه للاستثمار في الصحة والتعليم والصرف الصحي الذي يخدم ملايين المصريين، رغم نجاح الحكومة في توفير مليارات الجنيهات للعديد من المشروعات التي لا تمثل نفس الأهمية للمواطن العادي.
وفي حين وصل احتياطي النقد الأجنبي إلى أعلى مستوياته في تاريخ الاقتصاد المصري الحديث، إلا أن الواقع يقول إن الديون الخارجية زادت أكثر كثيراً من زيادة الاحتياطي.
ورغم تحقيق معدل نمو، قدرته الحكومة بحوالي 5.5 بالمائة و6 بالمائة، إلا أن معدلات التضخم، التي وصلت إلى 34 بالمائة في بعض الأحيان، قبل أن تستقر بين 13 في المائة و15 بالمائة، تعني أن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي كان، وما زال، سلبياً، رغم ادعاءات إعجاز برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.
واقع الأمر إذاً يشير إلى أن الاختلالات الهيكلية التي تم اتباع برنامج الإصلاح الاقتصادي لعلاجها، ما زالت كما هي، رغم ارتفاع الثمن الذي دفعه المصريون. فما زال ميزان المدفوعات المصري يعاني عجزاً، وما زالت صادراتنا "تلهث" وراء وارداتنا، ولا تستطيع اللحاق بها، وما زالت موازنة الدولة تعاني عجزاً "مخزياً"، يحرمنا من أمل تحسن التعليم والصحة والصرف الصحي في المستقبل القريب، وما زال الجنيه يتعرض لضغوط كبيرة في كل عام، رغم الارتفاع "المصطنع" في قيمته في الفترة الأخيرة.
وفي مذكرة حديثة، يقول مركز الأبحاث الدولي كابيتال ايكونوميكس، إن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في مصر أثبت نجاحه في المساعدة في إصلاح ميزانيات البلاد، إلا أنه أكد أن العديد من القيود الهيكلية التي تواجه الاقتصاد ستظل قائمة، وسيكون من الصعب للغاية التغلب عليها.
وبناء على ذلك، خلص مركز الأبحاث الشهير إلى أنه "على الرغم من أن التوقعات الاقتصادية في مصر على المدى القريب تبدو مشرقة نسبياً، فإننا أكثر تشاؤماً من الكثير من المحللين في ما يخص التوقعات طويلة الأجل".
وأشار إلى أن ما تم من إصلاحات أوجد أساساً لرفع معدل النمو الاقتصادي خلال العامين القادمين، لكنه حذر من تكرار البنك المركزي والحكومة المصرية للأخطاء السابقة، ممثلة في الدعم المبالغ فيه للجنيه، مع إهمال الإصلاحات الهيكلية المطلوبة لتحسين الأداء الاقتصادي على المدى الطويل.