ليس بالإمكان ولا وفق أي توصيف، وضع قرار نظام الأسد رفع سعر كيلو القمح اليوم، إلى 400 ليرة سورية، في خانة الوطنية أو الاهتمام بمصالح السوريين، سواء أكانوا مزارعين أم جوعى يتشهّون الرغيف.
ببساطة، لأن جميع أفعال الأسد، وبعد تهاوي الليرة السورية إلى نحو 1800 مقابل الدولار، لا تدلل على حرصه على حياة كريمة للسوريين، فهو يبقي على الأجور عند معدل 50 ألف ليرة، رغم ارتفاع تكاليف معيشة الأسرة إلى 400 ألف، وهو يحاصر الفلاحين بأسعار حوامل الطاقة ومستلزمات الإنتاج، للحد الذي أودى بصناعات وزراعات كثيرة، ربما آخرها صناعة الدواجن الرائدة في سورية.
فعين حكومة الأسد، تكتفي بالنظر فقط، على العائد الضريبي لستر عورة الخزينة الفارغة، حتى لو وصل الأمر إلى نزاع أسري، كما طفا أخيراً خلاف الأسد ومخلوف، فرفع الرسوم الجمركية بوجه المستوردين زاد من خلل العرض والطلب في الأسواق، تماماً كما توجه الأسد لجمع الدولار من السوق لإيفاء بعض الديون المستحقة لروسيا، زاد من فقر السوريين وارتفاع أسعار مستلزماتهم اليومية، إثر تضخم الأسعار والنقد، ربما للأعلى في العالم.
فما السبب وراء وطنية الأسد وحرصه على شراء القمح والشعير؟ ربما لأن ما يسمى "الإدارة الذاتية" التي تسيطر على مدن الإنتاج، شمال شرقي سورية، رفعت أمس سعر كيلو القمح من 225 إلى 315 ليرة، وجاءت أسعار مؤسسة الحبوب في المعارضة أعلى من سعري "الأسد والذاتية" لأنها تسعر بالدولار ولا تغرر بالمزارعين عبر التسعير بليرة باءت عبئاً على حاملها.
فرفع النظام السعر إلى أعلى من تسعير "الآخرين" ليضمن تسويق المزارعين في موسم يوصف بالأعلى في سورية منذ عشر سنوات، فيسد بعض فراغات المخازن الخاوية ويقلل من فاتورة القمح الروسي بالدولار.
أو، ثمة توجيه روسي للنظام بشراء القمح وعدم تبديد نحو 3 ملايين طن، عبر وصولها لمناطق المعارضة أو تسللها لدول الجوار، فروسيا التي تسعى عبر ميناء طرطوس لقيادة تجارة القمح في المنطقة، يهمها ضبط الكميات والأسعار، وتسعى أكثر، بعد كشف خطط توسعها الجغرافي، إلى مسك السوريين من معدتهم، فالقادم مليء بالمفاجآت وقد تحتاج لفرض احتلالها، حتى للتجويع أو منح الخبز للمؤيدين.
ويبقى، أياً كانت الأسباب، المشتري رابحاً والفلاحون خاسرين، فرفع سعر كيلو القمح من 225 إلى 400 ليرة، هو كنسبة، أقل وبكثير من خسارة قيمة الليرة، ليس وفق سعر الصرف خلال الموسم السابق وقت كان الدولار عند عتبة 600 ليرة واليوم 1800 ليرة، بل ووفق سعر الصرف خلال الأشهر الفائتة من العام الجاري، وقت اشترى المزارعون مستلزمات إنتاجهم وفق سعر الدولار بنحو 900 ليرة ويبيعون بالليرة السورية التي خسرت 100% من قيمتها هذا العام.
نهاية القول: قلما تم التركيز خلال أعوام حرب الأسد على خسائر القطاع الزراعي، وتحول بلد الأربعة ملايين طن من القمح ومليون طن من القطن ومثله من الحمضيات والزيتون، إلى تشهي الخبز والفاكهة ريثما تجود عليهم الدول المانحة، بسلال طعام، تفوح منها روائح الإذلال والتشفي والاحتلال.
فأن نقول بلغت خسائر القطاع الزراعي 16 مليار دولار، من دون أن نركز على جوع 90% من السوريين في بلد زراعي عاشت مما تزرع وصدرت الخضر والفواكه والقمح لدول الجوار لعقود، إلى أن جاءها حكم الأسد، فمزق شعبها بين مهاجرين وجوعى ونازحين...ففي ذلك حقائق منقوصة على أقل تعبير.