الاستقالة لا تكفي

26 اغسطس 2016
وزير التموين والتجارة الداخلية المصري، خالد حنفي (العربي الجديد)
+ الخط -
حدث ما توقعه بعضهم، واستقال خالد حنفي وزير التموين والتجارة الداخلية المصري من منصبه أمس، وذلك إثر الكشف عن واحدة من أكبر قضايا الفساد داخل الوزارة، وقبل الاستقالة تمت إحالة ملف الفساد لكل من البرلمان والنائب العام.

قضية الفساد التي أتحدث عنها هنا تتعلق بالتوريد الوهمي للقمح خلال الموسم الحالي، والصوامع الفارغة التي قدّرت الجهات الرقابية حجم الفساد فيها بما يزيد على 1.1 مليار جنيه (ما يعادل 123.8 مليون دولار) خلال الموسم الحالي، في حين قدرتها مصادر برلمانية بنحو 6 مليارات جنيه أي ما يعادل 675 مليون دولار.

لكن هل هذا التطور اللافت سيتوقف عند حد استقالة الوزير، وتطبيق سياسة عفا الله عما سلف، وبعدها يتوجه الرجل إلى بيته أو لإحدى الدول المجاورة ناعماً بما تبقى من أيامه، أم تتم معاقبته ومحاسبته على الجرائم العديدة التي ارتكبها خلال توليه منصبه الوزاري منذ عام 2014.
وزير التموين هو أحد أبرز رموز النظام الحاكم في مصر، وواحد من أقرب الوزراء المقربين للمؤسسة العسكرية، بل وللسيسي نفسه.

ويعد وزير التموين أبرز وزير داخل الحكومة، ذلك لأنه كان مسؤولا عن ملفات في منتهى الخطورة، منها غذاء المصريين ومنظومة الخبز والمطاحن والصوامع واستيراد القمح والسكر والزيوت والشاي واللحوم والأدوية وألبان الأطفال وغيرها.

ببساطة كان الوزير مسؤولا عن واردات البلاد من السلع الغذائية والاستراتيجية والتي تقدر بمليارات الدولارات سنوياً.

والملفت أن الوزير كان يحظى بدعم وثقة السلطات الحاكمة منذ توليه منصبه قبل 3 سنوات رغم ارتكابه مخالفات عديدة منها على سبيل المثال إقامته في جناح فخم بفندق 5 نجوم على حساب الموازنة العامة للدولة، وقد كلف الأمر الخزانة العامة ما يزيد على 7 ملايين جنيه بشهادة الأجهزة الرقابية وإعلاميين مقربين من السلطة.

لكن الفساد الأخير هو الأقل بين ملفات الفساد الأخرى بالوزارة الخدمية والأكثر شعبية، لخدمتها ما يزيد على 65 مليون شخص من المصريين، فهناك حالات فساد صارخة منها القمح المسرطن، والتوريد الوهمي للقمح، وأن هناك توريدا للقمح يتم على الأوراق فقط، بينما لا يوجد توريد حقيقي، والنتيجة هي تلك الفجوة الكبيرة بين ما يتم تقديمه من دعم في منظومة الخبز، والمستحقين الفعليين لهذا الدعم.

وهناك أيضاً فساد يتعلق بالتلاعب في توريد القمح المحلي، وفساد بالمخزون الحقيقي بالصوامع ومراكز تخزين القمح، والطحن الوهمي للقمح على الورق، وخلط القمح المحلي بالقمح المستورد غير المطابق للمواصفات، وغيرها. 

كما أن هناك 27 مليون مواطن مثبتون على الكروت الذكية الخاصة بالتموين بشكل وهمي، ففي الوقت الذي تعلن فيه وزارة التموين أن إجمالي المستفيدين من الدعم 83 مليون مواطن، نجد في المقابل أن إجمالي القمح المحلي والمستورد لا يكفي سوى 55 مليون مواطن وفقا للكميات التي تعلن عنها الحكومة، وهو ما اعتبره تقرير لجنة تقصي الحقائق بالبرلمان دليلا آخر على فساد منظومة القمح والدقيق المدعم.

ولذا فإن الوزير يجب أن يعاقب على كل هذه الجرائم التي اقترفها وأخطرها خداع المصريين والكذب عليهم عبر الإعلان عدة مرات أن وزارته تبيع الدجاجة في الجمعيات الاستهلاكية بـ 75 قرشاً فقط، وكيلو اللحوم بجنيه واحد رغم أن سعر الكيلو تجاوز المائة جنيه في الأسواق.

كما يجب معاقبة الوزير على تصريحاته غير الحقيقية وهي كثيرة، ومنها أن تطبيق منظومة الخبز الجديدة وفّرت للدولة 10 مليارات جنيه من فاتورة دعم السلع التموينية، كما وفرت 1.8 مليون طن قمحاً.

وإذا كان هذا صحيحاً، فإن السؤال: أين ذهبت كل هذه المليارات الناجمة عن الوفر؟ ما مصيرها؟ هل تم توجيهها لأوجه نفقات أخرى في الميزانية العامة؟ ولماذا لم توجه كل هذه المليارات لخفض أسعار السلع الملتهبة في الأسواق؟ وأين الوفر الذي تحقق في مخصصات شراء القمح من الخارج، خاصة أن أسعار القمح تتراجع منذ عام 2009 بشهادة منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" التابعة للأمم المتحدة؟

والأهم من ذلك أن الوزير لا بد أن يحاسب على فشله الذريع في احتواء أزمة أسعار السلع خاصة المعيشية، فالرجل كان يحل الأزمة على الورق، وكان يخرج علينا من حين لأخر بتصريحات مستفزة وأرقام تؤكد كلها أن الأزمة تحت السيطرة، وأن الوزارة قادرة على حلها.

المساهمون