الضرائب تهدّد إيداعات البنوك التونسية

22 يونيو 2020
مخاوف في البنوك التونسية من قرارات الحكومة(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يخشى المهتمون بالشأن المالي والمصرفي في تونس من تسرب الإيداعات البنكية إلى السوق الموازية هرباً من ضرائب جديدة فرضتها الحكومة على الإيداعات وخفض نسبة الفوائد، معتبرين أن هذه القرارات تشكل خطراً على القطاع المصرفي الذي لا يزال يساند الاقتصاد المحلي رغم مشاكل شح السيولة وزيادة القروض المتعثرة.

وفجّر القرار الحكومي انتقادات كبيرة، فيما اعتبر مهنيون في القطاع المصرفي أن هذا القرار غير محسوب العواقب وجدواه غير مضمونة.

وقال المصرفي وعضو الجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية، أحمد الكرم، إن قرار الحكومة قد يؤدي إلى نتائج عكسية بتسرب المدخرات المودعة في البنوك إلى السوق السوداء بعد سحبها هرباً من الضرائب.

وأضاف الكرم، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن دور البنوك الأساسي هو تجميع السيولة وإعادة ضخها في الاقتصاد في شكل قروض أو استثمارات، غير أن زيادة الضرائب على السيولة المجمعة ستؤدي إلى سحبها نهائياً من المؤسسات المصرفية دون أن يستفيد منها الاقتصاد، فتكون الخسارة مضاعفة، بحسب قوله.

وتابع أن الحكومة لم تستشر المصارف أو جمعيتهم المهنية قبل اتخاذ هذا القرار الذي وصفه بغير الصائب.

في المقابل، دافع رئيس الحكومة، إلياس الفخفاخ، في حوار تلفزيوني الأسبوع الماضي، عن خيارات حكومته، مشيراً إلى أن توظيف ضرائب جديدة على الإيداعات سيحفز على إخراج الأموال من البنوك لتمويل الاقتصاد.

وقال الفخفاخ: "ما فائدة الإيداعات المجمعة في المصارف إذا لم يستفد منها الاقتصاد المحلي في هذا الظرف"، داعياً أصحاب الأرصدة إلى إخراج أموالهم من البنوك وتشغيلها في مشاريع اقتصادية.

وتنقسم الحسابات بالبنوك والمؤسسات المالية في تونس، وفق بيانات رسمية للبنك المركزي التونسي، إلى ثلاثة أصناف؛ وهي الودائع تحت الطلب من حسابات شيكات وغيرها (28.4 مليار دينار)، وودائع الادخار بمختلف أصنافه (20.4 مليار دينار)، والإيداعات لأجل (16.2 مليار دينار).

ويخشى خبراء مال من تأثيرات حادة على القطاع المصرفي من عدة قرارات متتالية حكومية، مشددين على ضرورة الحفاظ على صلابة البنوك.

وقال الخبير المالي، محسن حسن، إن البنوك التونسية ستتحمل الجزء الأكبر من أزمة المالية العمومية بعد قرار الحكومة باللجوء للسوق الداخلية السنة الحالية للحصول على ما يقارب 5 مليارات دينار، مقابل توقعات أولية في حدود 2.5 مليار دينار (الدولار = نحو 2.9 دينار)، مؤكداً أن ارتفاع التداين العمومي الداخلي سيكون على حساب تمويل الاستثمار الخاص والاستهلاك.

وأضاف حسن، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن البنوك والمؤسسات المالية تتحمّل عبئاً ثقيلاً منذ بداية أزمة كوفيد-19 بسبب تأجيل سداد الأقساط المستوجبة من الديون الداخلية لسنة 2020 والمقدرة بنحو 1.5 مليار دينار تقريباً، مؤكداً أن تأجيل سداد قروض الموظفين لمدة تتراوح بين 3 و7 أشهر تسبب في شح السيولة في البنوك.

وحول قراري التخفيض في نسب الفائدة الموظفة على الإيداعات بأجل والترفيع في نسبة الخصم من المورد الموظفة على فوائد الإيداعات بأجل، قال حسن إن ذلك سيؤدي حتماً إلى تراجع معدل الادخار وهروبه من النظام البنكي، مؤكداً أن البنوك تتحمل العبء الأكبر من الكلفة المالية للإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة لدعم القطاعات الاقتصادية المتضررة من أزمة كورونا.

ورجح حسن أن يحوّل المودعون أموالهم نحو شراء العقارات والذهب لتجنّب الضرائب الجديدة، معتبراً أن استعمال الادخار في غير الاستثمارات الخالقة للثروة والموفّرة لفرص العمل، إهدار لكل إمكانات رفع النمو وتحسين وضع الاقتصاد والمواطنين.

وحسب الخبير المالي فإن الدور الأساسي للمصارف والمؤسسات المالية هو تطوير الادخار الذي لم يعد يتجاوز 10 بالمائة حالياً، مقابل 21 بالمائة قبل الثورة، وتمويل الاقتصاد وليس تحمل عبء سياسات المالية العمومية الفاشلة.

وحسب بيانات رسمية، تتوقع تونس انكماش الاقتصاد بما يصل إلى 4.3 بالمائة هذا العام، في أكبر تراجع منذ الاستقلال عام 1956. وهبطت إيرادات السياحة نحو 50 بالمائة خلال أول خمسة أشهر من العام الحالي، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي 2019، بعد أن هجر السياح الغربيون الفنادق والمنتجعات التونسية.

وتقول الحكومة إن وضع المالية العمومية لتونس حرج جداً، ولا يمكن المضي قدماً في زيادات الرواتب، وإنها قد تضطر إلى التقليص من أجور القطاع العام.

وتونس تحت ضغط من مقرضين دوليين لخفض فاتورة الأجور التي تضاعفت حالياً إلى ما يزيد على 17 مليار دينار مقابل 7.6 مليارات دينار في عام 2010.

دلالات
المساهمون