كارثة اقتصادية لليمن: تراجع غير مسبوق لتحويلات المغتربين والسعودية تنسحب مالياً

22 يونيو 2020
اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم (فرانس برس)
+ الخط -
تلوح في الأفق بوادر كارثة اقتصادية ومعيشية في اليمن، في ظل تراجع غير مسبوق للتحويلات المالية من قبل المغتربين، التي تعد بمثابة شريان الحياة الرئيسي للملايين، بينما الحكومة الشرعية غير قادرة على دفع الرواتب، في ظل انحسار الدعم السعودي، بعد مواجهة المملكة صعوبات مالية كبيرة بسبب تراجع عائدات النفط وتداعيات جائحة فيروس كورونا على اقتصادها.

ويشهد اليمن بالفعل أسوأ أزمة إنسانية في العالم، بحسب الأمم المتحدة. وتقدر المنظمة الأممية أن 80% من السكان، أي نحو 24 مليون شخص، "بحاجة إلى مساعدة غذائية".

وتعصف أزمة كورونا باقتصادات معظم دول الخليج، لا سيما السعودية حيث يعمل أغلب المغتربين اليمنيين، فيما تحذر منظمات غير حكومية مثل أوكسفام من تأثير تراجع تحويلاتهم المالية.

وتقول أوكسفام، وفق تقرير لوكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين، إن مقدمي خدمات تحويل الأموال النقدية في ست محافظات يمنية شهدوا تراجعاً للتحويلات بأكثر من 80%، في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني وإبريل/ نيسان.

ويأتي أكبر تراجع على ما يبدو من قرابة 1.6 مليون يمني يعملون في السعودية، حيث يواجه العمال الأجانب موجات من التسريح وخفض الرواتب ضمن أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.

ويقول المستشار السياسي لمنظمة أوكسفام في اليمن عبد الواسع محمد إنه "مع اعتماد الملايين من اليمنيين على التحويلات المالية من دول الخليج، خاصة من السعودية، فإن أي اضطراب اقتصادي هناك ستكون له عواقب كبرى في اليمن".

ويضيف محمد "من دون قيام أفراد العائلة بإرسال الأموال للأساسيات، مثل الطعام والإيجار، فإن المزيد من العائلات ستضطر للاستدانة أو ستقوم بالاستغناء عن وجبات طعام لتغطية نفقاتها".

وتأتي الضغوط المعيشية الناجمة عن تراجع تحويلات المغتربين بالتزامن مع الانسحاب المالي السعودي من اليمن، والذي كان يوجه لدعم الحكومة الشرعية من أجل دفع الرواتب وتوفير الدولار لاستيراد السلع الرئيسية.

وتقود السعودية تحالفا عسكريا في اليمن منذ خمس سنوات لمواجهة الحوثيين، بينما أدت الحرب إلى تدمير البنية التحية بشكل واسع وانهيار الريال اليمني وتزايد معدلات الفقر والبطالة بنسب حادة.

وضخت السعودية عشرات مليارات الدولارات لدعم الحكومة التي اتخذت من عدن عاصمة مؤقتة لها على شكل مساعدات إنسانية وإعانات من الوقود، بالإضافة إلى إيداعات مالية في المصرف المركزي اليمني ودعم العملة المحلية.

لكن بعد تأثير الصدمة المزدوجة من انخفاض أسعار النفط بالإضافة إلى فيروس كورونا الجديد، يقول مراقبون إن المملكة لا يبدو أنها قادرة على تقديم الدعم ذاته لليمن حتى مع استمرار الإنفاق العسكري.

وقد تكون السعودية أيضا تقوم بإعادة تقييم دورها الذي يصفه البعض بأنه بمثابة "ماكينة صراف آلي إقليمية"، بينما لم يؤد تدخلها العسكري الباهظ الثمن في اليمن إلى الكثير من المكاسب، بالإضافة إلى صراعات عميقة في المعسكر الموالي لها والمعادي للحوثيين.

وقال مسؤول غربي يتابع التدخل السعودي في اليمن لـ"فرانس برس": "لم يعد السعوديون (يميلون) إلى ضخ ملايين ومليارات غير محدودة في اليمن". والرياض هي أكبر مانح لليمن، وتراجع دعمها سيكون له أكبر تأثير بحسب مراقبين.

ويتوقع محللون أن تتراجع قيمة الريال اليمني بشكل كبير هذا العام مع استنفاد الوديعة السعودية للبنك المركزي بقيمة ملياري دولار في عام 2018 تقريبا، ما يعني تقليص القدرة الشرائية وجعل ملايين الأشخاص غير قادرين على تحمل تكلفة المواد الغذائية الأساسية.

ولم يتبق من هذه الوديعة سوى أقل من 200 مليون دولار في مايو/أيار الماضي، بحسب مشروع "أكابس" غير الربحي الذي يضم مجموعة من المنظمات الخيرية من بينها المجلس النرويجي للاجئين.

وحذر المشروع في تقرير حديث قائلا: "يبدو اليمن ضعيفا اقتصاديا بشكل متزايد"، معتبرا أن توقف الدعم المالي السعودي سيؤدي إلى "تراجع حاد" في قيمة العملة المحلية.

وجمعت الأمم المتحدة، أوائل يونيو/حزيران الجاري، 1.35 مليار دولار من المساعدات الإنسانية لليمن في مؤتمر للمانحين استضافته السعودية، إلا أن هذا الرقم يوازي نحو نصف التمويل المطلوب والبالغ 2.41 مليار.

وفي قلب الخلل الاقتصادي في البلاد انقسام المصرف المركزي إلى مركزين ماليين يتعاملان مع عملة واحدة، الأول في عدن التي أصبحت عاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، والثاني في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

ويزيد النزاع الدائر بين الانفصاليين الجنوبيين والحكومة اليمنية، وكلاهما يقاتلان الحوثيين في صفوف التحالف، من تعقيد الأزمة.

وأقدم الانفصاليون الجنوبيون، الذين أعلنوا الإدارة الذاتية في عدن في إبريل/نيسان الماضي على الاستيلاء على شحنة تابعة للبنك المركزي تحمل نحو 80 مليون دولار، بحسب عدة مصادر. وبرّر متحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي الاستيلاء على الشحنة، قائلا إنها كانت تهدف لمنع تراجع أكبر للعملة اليمنية.

وأكّد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، في تقرير نشر حديثا، أن الخلاف "خلق ظروفا ستؤدي إلى ثني السعودية عن تجديد دعمها للاحتياطي الأجنبي".

وبحسب المركز فإن "جارة اليمن الشمالية حالياً في خضم اقتطاعات هائلة من ميزانيتها، ولا يبدو أن أي مانح دولي آخر حريص على التقدم ليحل محل الرياض".

ولم ترد السلطات السعودية على طلب "فرانس برس" التعليق. وعلى الرغم من الضغوطات المالية، فمن غير المرجح أن تقوم المملكة بتقليص إنفاقها العسكري في اليمن، والذي يقدر بنحو 200 مليون دولار يومياً، حيث تعتبر الحوثيين المدعومين من إيران تهديداً وجودياً لها.

وفي مايو/أيار الماضي بعد أن كشفت السعودية عن إجراءات تقشفية، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية "بنتاغون" منح بوينغ عقدين بأكثر من ملياري دولار لتسليم ما يزيد عن ألف صاروخ جو-أرض وصواريخ مضادة للسفن إلى السعودية.

(العربي الجديد، فرانس برس)

المساهمون