"لا فاميليا": محرك العنصرية في ملاعب إسرائيل

20 سبتمبر 2017
ظاهرة "لا فاميليا" تهدد الجماهير والأندية الفلسطينية (Getty)
+ الخط -
باتت ملاعب كرة القدم الساحة الأبرز التي تدلل على التوجهات العنصرية للجمهور الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين في السنوات الأخيرة. فحسب تقرير صدر مؤخرا عن الاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم، فإن الملاعب خلال عام 2016 شهدت عشرات الحوادث العنصرية، التي تستهدف بشكل خاص فرق كرة القدم التي تمثل فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 والتي تشارك ضمناً في الدوري الإسرائيلي.

وتشمل الحوادث العنصرية التي أشار إليها التقرير ترديد شعار "الموت للعرب"، الذي هو أكثر الشعارات التي يرددها مشجعو بعض فرق كرة القدم في كيان الاحتلال، وعلى وجه الخصوص فريق "بيتار يروشليم"، في القدس المحتلة، وشعارات أخرى تمس الإسلام ونبيّه. وقد شهدت ملاعب كرة القدم ولادة أحد أخطر التنظيمات الإرهابية اليهودية، والذي يعمل على توظيف الأنشطة الرياضية في إضفاء شرعية على تبني المواقف العنصرية تجاه العرب والمسلمين منهم خصوصا، إلى جانب مبادرته لشن اعتداءات ضد الفلسطينيين عموماً.

ففي عام 2005، أعلن المئات من مشجعي فريق "بيتار يروشليم" عن تشكيل إطار لمشجعي هذا الفريق، أطلقوا عليه "لا فاميليا" (العائلة)، والذي سرعان ما تحول من إطار جماهيري لتشجيع الفريق إلى تنظيم يعمل على نشر الأيديولوجية العنصرية في ملاعب كرة القدم، إلى جانب انخراط أعضاء التنظيم في تنفيذ عمليات الاعتداء ضد مشجعي الساحرة المستديرة العرب، وهو ما أكد أن أهداف هذه الجماعة ليست التشجيع الرياضي أو دعم الفرق داخل الملاعب فحسب.

ومما يعكس المسافة التي قطعها في تبني التوجهات العنصرية، قام "لا فاميليا" بصياغة أغنية لتشجيع الفريق تجاهر بالتوجهات العنصرية تجاه العرب، إذ يقول مطلع الأغنية "ها هو قد نزل إلى الملعب...الفريق العنصري للدولة". وفي أغنية ثانية، يرددها أعضاء "لا فاميليا" ومعهم بقية مشجعي الفريق: "كما قلت لك، لقد تجهزنا للأيام المقبلة، وسترون الجيش الأقوى على وجه البسيطة، سيدافع عنك وسيزيل من على وجه الأرض كل من يقف في طريقه.. إنه جيش مليشيا عنصري ووحشي، إنه لا فاميليا، ها هو قد ترجل".

وكشف تحقيق بثته مؤخرا قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة أن عدد أعضاء "لا فاميليا" تجاوز ألف عنصر هم من المتطرفين، مشيرة إلى أن العدد مرشح للتعاظم خلال الأشهر القريبة المقبلة. وعرضت القناة مشاهد يظهر فيها عناصر التنظيم وهم يشيدون بإيغال عمير، المتطرف اليهودي الذي اغتال رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق إسحاق رابين الذي جرى في عهده توقيع اتفاقية أوسلو الموقعة في العاصمة الأميركية واشنطن. وفي مشهد آخر ظهر أعضاء التنظيم وهم يهتفون وخلفهم تردد الجماهير: "قريبا كل العالم سيشهد لن يبقى وجود للعرب هنا". ونقلت القناة عن ضابط شرطة إسرائيلي في قيادة منطقة القدس المحتلة قوله إن "لا فاميليا" قد حددت هدفا واضحا لها وهو "تغيير سلم الأولويات الاجتماعي في إسرائيل من خلال تشجيع العنصرية في ملاعب كرة القدم"، وهي الأمور التي قد تنعكس بشكل كارثي حال استشرت في الأوساط الاجتماعية المختلفة، وتزيد من العنف والعنصرية ضد العرب والمسلمين.

وحسب الضابط، فإنه يتم تقاسم المهام داخل "لا فاميليا" بحيث إن هناك من يحرص على توفير الدعم المادي لتمويل أنشطة التنظيم إلى جانب اضطلاع آخرين بتأمين الوسائل القتالية، وآخرين يتولون صياغة الشعارات العنصرية وتطويرها، إلى جانب انفراد بعضهم الآخر بمهمة توجيه عناصر التنظيم لتنفيذ الاعتداءات. وتنقل القناة عن أحد الأشخاص الذين انضموا لهذا التنظيم أن الصعود في سلم القيادة داخل التنظيم يتوقف على مدى الحماسة التي يظهرها العضو في تبني المواقف العنصرية وتنفيذ الاعتداءات.

ونبهت صحيفة "ميكور ريشون" مؤخراً إلى أن أنشطة "لا فاميليا" العنصرية والإرهابية باتت تستقطب الشباب اليهودي من مختلف المدن الإسرائيلية، بحيث لم يعد مقتصرا على الشباب اليهودي في القدس المحتلة. ويحرص مشجعو "بيتار يروشليم" على ترديد هذه الأغاني بشكل فج تحديدا عند مواجهة فرق تمثل فلسطينيي الداخل أو فرق يهودية يلعب ضمن صفوفها لاعبون من فلسطينيي الداخل.

وتشير "ميكور ريشون" إلى أن أعضاء "لا فاميليا" يحرصون على الحصول على معلومات مسبقة حول تحركات جمهور مؤيدي الفرق الفلسطينية وينصبون كمائن لهم على الطرق، ويقومون بقذفهم بالحجارة والاعتداء عليهم بوسائل قتالية أخرى، مشيرة إلى أن أعضاء التنظيم ينفذون اعتداءاتهم وهم يرتدون الأزياء السوداء ويلبسون اللثام، على طريقة "الألتراس" في الدول الأوروبية، والتي تتسبب في فوضى كبيرة عند دخولها لأي مدينة أو ملعب.

وكسائر مشجعي "بيتار يروشليم"، فإن معظم أعضاء "لا فاميليا" هم من أعضاء التيارات الدينية اليهودية. وهناك تداخل بين "لا فاميليا" ومنظمة "لاهفا" التي يقودها الحاخام المتطرف بنتي غوفشتين، والمتخصصة في تنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في المدن المختلطة التي يقطنها العرب واليهود، حيث إن الكثير من الشباب اليهودي ينتمون للتنظيمين في آن معا.

وقد أثرت البيئة العنصرية التي غذتها أنشطة "لا فاميليا" في توجهات القائمين على فرق كرة القدم، بحيث لم تعد مقتصرة على جماهير المشجعين. فقد أعلن إيلي كوهين، مدرب فريق "بيتار يروشليم"، الأسبوع الماضي أنه لن يسمح بضم لاعب مسلم إلى صفوف الفريق. وعلى الرغم من أن تصريحه هذا قد أحدث ضجة، إلا أن الوقائع تدلل على أن "لا فاميليا" نجحت في إجبار إدارة الفريق على تجنب ضم لاعبين من فلسطينيي الداخل إلى صفوفه، حتى لا تتعرض للهجوم أو أي مضايقات من المشجعين والجماعة التي تتخذ العنف منهجا لها.

المساهمون