صحف المغرب الورقية... لم تسلم من التراجع

19 يوليو 2019
تركيز محتوى الصحف على التحليل والتفسير (فاضل سنّا/فرانس برس)
+ الخط -
لا تزال الشابة والطالبة الصحافية، إكرام بختالي، تختار قراءة الصحف الورقية في الصباح، وتقول إن الأخبار تكون طازجة وبالتالي تكون على علم بالأحداث الجارية حولها، "هذا الأمر يمنحني فرصة مناقشة مواضيع الصحيفة في بقية اليوم مع الأصدقاء سواءٌ في الواقع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي". لكن إكرام تنتمي لأقلية صغيرة لا تزال تحتفظ بعادة قراءة الصحافة الورقية في المغرب

تراجع قياسي للمبيعات
لا توجد أرقام جديدة تخص العام 2019، لكن آخر الإحصائيات التي نشرتها هيئة التحقق من النشر، والتي تعود إلى العام 2017، تشير إلى تراجع في حجم مبيعات الصحف المغربية. إذ لا تبيع مجتمعة إلا أقل من 230 ألف نسخة، مع تقارير تشير إلى تراجع قياسي في حجم المبيعات فاق 50 في المائة في أقل من 7 سنوات.
أنس الهادي، طالب شاب يدرس في الجامعة، وهو من الأغلبية الساحقة التي لم تعد تهوى قراءة الصحف الورقية. في رأيه "التنقل للبحث عن صحيفة مزعج شيئاً ما، مقارنةً بسرعة الوصول لنفس الأخبار بدقة أكثر وإمكانية التأكد من الخبر بالإضافة لمجانية الخدمة. هذا يجعل خيار الصحافة الإلكترونية هو الأمثل بالنسبة لي". ويتابع "الصحف الورقية لم تعد خياراً لتقصي الأخبار في نظري. شخصياً أقرأ جميع الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي كوجهة أولى، بعدها أتوجه لمواقع إخبارية معينة بحثاً عن معلومات في مجال متخصص".

غادر القراء فاختفت الإعلانات
انتقال القراء من الورقي إلى الرقمي جرّ معه الإعلانات أيضاً. إذ توضح أرقام نشرتها تقارير محلية أنّ الإعلانات تراجعت في الصحافة الورقية بشكل كبير، بحيث خفضت قطاعات الاتصالات والمصارف والصناعات الغذائية التي تسيطر على 44 في المائة من سوق الإعلانات في المغرب ميزانيات إعلاناتها بنسبة 11 في المائة.
أين ذهبت هذه الأموال؟ إلى "فيسبوك" و"غوغل" ثم المواقع الإخبارية والترفيهية المغربية، بالإضافة إلى إعلانات أنظمة تشغيل الهواتف الذكية والمؤثرين في الإنترنت.
هذه التغييرات الكبرى وصلت حرارتها إلى صالات الأخبار في المؤسسات المغربية. يقول يونس مسكين، مدير نشر صحيفة "أخبار اليوم" منذ سجن مديرها، الصحافي توفيق بوعشرين، وقد شهد هذه التغييرات العاصفة منذ بدايتها، "واجه فريقنا الإعلامي هذا الانتقال بصعوبات مماثلة لما عاشته الصحافة عالمياً، خاصة بالنسبة إلى يومية إخبارية مثل "أخبار اليوم". سحبت الصحافة الإلكترونية بساط القيام بالمهمة الإخبارية التي كانت في السابق وظيفة أولى للصحف اليومية".
حفاظاً على من تبقى
يرى مسكين أنّ "هذا التحول فرض على الفريق الإعلامي ملاءمة إنتاجه مع هذا الجديد، من خلال التوجه نحو البحث عن السبق الذي يحفظ للمنتوج الإعلامي قيمته وتميزه، ثم عبر التركيز أكثر على المحتوى الذي يقوم بالتحليل والتفسير وكشف ما وراء الأخبار، كي يحتفظ الصحافي بسبب لوجوده ويقنع القارئ بانتظار صدور الصحيفة الورقية رغم التدفق المستمر للمحتويات الإعلامية إلكترونياً".
ويبدو أن هذه التغييرات هي التي لا تزال تجذب الفئة القليلة من قراء الورقي الذين تنتمي إليهم إكرام بختالي. وتشرح أنه "رغم التطور التكنولوجي الحاصل في المجال الإعلامي إلا أنه ما زال للصحافة الورقية مكانة خاصة في قلوب قرائها الأوفياء، نظراً لتناولها مواضيع بطريقة تحترم أخلاقيات المهنة. الورقي لم يمت بعد بالنسبة لي رغم توفر المعلومة وسهولة الوصول إليها. وقراءة جريدة ورقية تجعلني أستوعب جيداً ما عجزت عنه في الصحافة الإلكترونية".

تراجع الصحف أم الصحافة؟
أمام الخسائر والضغوط، كان الحلّ بالنسبة للكثير من المؤسسات الإعلامية هو إطلاق نسختها الرقمية. حققت هذه التجارب نتائج مختلفة، بينها "أخبار اليوم" التي بدأت قوية عند انطلاق نسختها الرقمية "اليوم 24" قبل سنوات، فتراجُع الورقي بالنسبة ليونس مسكين لا يُمثل تراجعاً في مكانة الصحافة نفسها. ويوضح مسكين أنّ "انتقال نسبة كبيرة من القراء من الصحيفة الورقية إلى العالم الرقمي، لا يعني تراجع مكانة الصحافة، بما أن الورق والإنترنت مجرد حوامل لمضمون يفترض أن يكون هو نفسه".
المساهمون