الصحف البريطانية عن مجزرة الغوطة: الصمت تواطؤ مع المجرم

21 فبراير 2018
دانت الصحف البريطانية التجاهل الدولي (عمار البوشي/الأناضول)
+ الخط -

ركزت الصحف البريطانية على حملة القصف الهمجية التي يشنها نظام الرئيس السوري، بشار الأسد، على الغوطة الشرقية ومعاناة المدنيين فيها، وسلطت الضوء على حجم المأساة وضرورة التحرك لوضع حد لها، ودانت التجاهل الدولي لخطورة الوضع الإنساني فيها.

وتصدرت صحيفة "ذا غارديان" بتغطية مفصلة لتبعات القصف على المدنيين والمستشفيات، إذ نشرت مقالة موقعة باسم كريم شاهين أوضح فيها حجم الهجمة الشعواء التي يقودها نظام الأسد ضد معارضيه، مؤكدة على أنها مجزرة وليست حرباً.

وسلطت المقالة الضوء على أعداد الضحايا من المدنيين الذين تجاوزت أعدادهم 200 شخص، ومنهم العديد من الأطفال، إضافة إلى تدمير المستشفيات واستهداف الطواقم الطبية، في الحملة التي بدأها نظام الأسد منذ يوم الإثنين.

ونقل الكاتب شهادة عن طبيب من الغوطة الشرقية قارن فيها الوضع بسربرنتيشا في تسعينيات القرن الماضي، واصفاً إياها بـ"مجزرة القرن الحادي والعشرين".


وكانت مقارنة مجزرة نظام الأسد بمجزرة سربرنيتشا محور مقالة لسيمون تيسدال في "ذا غارديان" أيضاً. وذكّر الكاتب القارئ بالوضع السياسي والإنساني في سربرنيتشا عام 1995. فالجيب المسلم فيها خضع للحصار منذ بداية الحرب في البوسنة، وقطعت عنه الإمدادات الغذائية والصحية، وذلك رغم أن الأمم المتحدة كانت قد أعلنت الجيب منطقة آمنة عام 1993، تماماً كما أعلنت روسيا الغوطة الشرقية منطقة خفض تصعيد.

وكما هو حال البوسنة، لم يهتم أحد بحماية المدنيين، ونظام الأسد، كما كان حال المليشيات الصربية، يتمتع بحصانة يوفرها له داعمه الروسي، بينما تقف الأمم المتحدة عاجزة عن التحرك بسبب رفض الأسد والمليشيات الإيرانية الداعمة له لأي وقف إطلاق نار إنساني. وفي الوقت ذاته ينصب اهتمام الدول الكبرى على التوازنات الدولية واقتطاع مناطق نفوذ من دون أي اكتراث لحياة المدنيين.

وأسفرت مجزرة سربرنيتشا عن مقتل 8 آلاف شخص في بضعة أيام، كما تم تهجير 25-30 ألفاً. ورأت محكمة جرائم الحرب الدولية المختصة بيوغوسلافيا السابقة، في هذه الجرائم إبادة جماعية. وروى الكاتب كيف رأى الجميع حينها تقدم قائد صرب البوسنة راتكو ملاديتش، إذ كانت الأمم المتحدة على علم بقرب وقوع المجزرة لكنها نظرت في الاتجاه الآخر.

وقارن الكاتب ملاديتش بالأسد، فالأدلة على ارتكاب الأسد جرائم حرب عديدة، ولم يتم توجيه أي اتهام حتى الآن، ويستمر في جرائمه. وعلق: "في نوفمبر/ تشرين الثاني، أدين ملاديتش أخيراً بالإبادة الجماعية في لاهاي. استغرق ذلك 22 عاماً. كم من الأطفال سيموتون قبل أن يتم تقديم العدالة في سورية؟".


أما جوناثان فريدلاند، فكتب مقالة أخرى حاول فيها تحليل سبب غياب الغضب إزاء ما يحدث في الغوطة الشرقية. ولخصها بثلاثة أسباب: هيمنة اتفاقية بريكست (انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي) والرئيس الأميركي دونالد ترامب على النقاشات الداخلية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، وطول مدة الحرب في سورية التي جعلت الناس يعتادون عليها وعدم قدرتهم على فعل أي شيء حيالها، إضافة إلى التأثير الكارثي لحرب العراق على التدخل الإنساني، وهو الاعتقاد بضرورة التدخل ضد أنظمة معينة لحماية شعوبها.

إلا أنه ذكر القارئ بأن الصمت تواطؤ مع المجرم. فغياب الانتقاد والأصوات المعارضة تعطي إشارة للأسد بالاستمرار بما يقوم به وأن لا أحد سيمنعه. فأقصى رد دولي كان في إبريل/نيسان الماضي عندما تعرضت قاعدة عسكرية لضربات أميركية محدودة بعد استخدام السلاح الكيميائي ضد المدنيين.

وبينما اكتفت صحيفة "تلغراف" بنشر مقالة نقلت فيها شهادات من تحت الحصار والقصف في الغوطة الشرقية، أصدرت صحيفة "تايمز" مقالة مطولة بقلم مراسلها في بيروت عن الوضع في الغوطة، استعرضت فيها تاريخ الحصار المفروض عليها، مدعمة إياها أيضاً بشهادات من أطباء ومحاصرين.

أما صحيفة "ذي إندبندنت" فنشرت مقالات عدة عن تطورات الأوضاع في الغوطة الشرقية، منها تغطية للأحداث، ومنها مقالتا رأي لكاتبيها المثيرين للجدل، روبرت فيسك وباتريك كوكبيرن.


وحاول فيسك، الذي صبت آراؤه في صالح نظام الأسد منذ بداية الثورة معتنقاً فكر "معاداة الإمبريالية" الغربية، إدانة الغرب في ما يجري في الغوطة لعدم وقفه تسليح فصائل المعارضة في الغوطة الشرقية. وبينما وجه فيسك أصابع الاتهام في كافة الاتجاهات، إلا أنه تجاهل تصويبها باتجاه الأسد وحلفائه من الروس والإيرانيين، بل إنه أسهب مدافعاً عن الدور الروسي وجهود النظام في المفاوضات.

كما انتقد التغطية الإعلامية لما يجري في الغوطة لعدم وجود لقطات لمقاتلين في الصور المنشورة، والذين ينسبهم إلى تنظيم "النصرة" عموماً، متناسياً أو متجاهلاً أن القصف يستهدف المدنيين، وأن حضور "النصرة"، أو "تحرير الشام" كما أصبحت تعرف، ضئيل جداً فيها.

أما باتريك كوكبيرن، الذي ينتمي لتيار فيسك نفسه المعادي للإمبريالية، فقد كان وصفياً وأقل مغالطة من مقال فيسك، رغم أنه فشل في تحديد الدور الروسي والإيراني في ما يجري في الغوطة. فعنوان المقالة: "قد يكون هذا آخر حصار في الحرب السورية"، يسرد طبيعة الحصار المفروض على الغوطة وسبب صمودها إلى الآن، وخلصت مقالته إلى وضع طبيعة العملية العسكرية ضمن استراتيجية الحصار الخانق والقصف الجوي المكثف التي يتبعها نظام الأسد لتركيع المناطق الخارجة عن سيطرته.