منذ عدة أيام والعالم في حالة ذهول تجاه الصور التي يجري تداولها عن طريق وسائل الإعلام الدولية ومنصات التواصل الاجتماعي حول حرب الإبادة في الغوطة. تزداد الصور في كل يوم وتتنوع، لكنها تلتقي عند القتل عن طريق قصف طيران النظام السوري وروسيا التي أخذت على عاتقها إسناده، حين يفشل أو يعجز، بغض النظر عن الفعل الذي يقوم به.
العالم في حالة صدمة إزاء الصور التي تخرج من الغوطة، ربما، لأنه صدّق في لحظة ما أن الوضع في سورية بلغ ذروة الوحشية في حلب، وأن النظام والروس وإيران والمليشيات التابعة لإيران استخدموا أكثر ما يملكون من أسلحة فتكا، ولأنهم حققوا تقدما كبيرا على الأرض خلال العامين الأخيرين، فإنهم باتوا يميلون إلى اتباع أسلوب المداهنة من أجل جني مكاسب سياسية.
تبدو كل الحسابات والاستنتاجات خاطئة. ليس هناك معادلة قادرة أن تصمد أكثر من أسابيع، ثم تتكسر ولا يعود أحد يحفل بها أو يقيس على منوالها. نظريات وأطروحات كثيرة جرى رميها في المطحنة السورية، لكنها سرعان ما تبخرت، وصارت منسية.
لا أحد يريد أن يضع نقطتي بداية ونهاية، طالما أن المحتلين الإيراني والروسي، وبينهما الأراجوز السوري، يضعان قواعد اللعبة وشروطها، ويتقاسمان أهم الأوراق. ويفيد مسار أستانة أن التفاهمات الروسية تبدأ وتنتهي عند إباحة الدم السوري، وإنهاء صيغة الوطن السوري، وباتت موسكو تتحكم بالأرض السورية، مستخدمة حرب التطهير وسياسة الأرض المحروقة من أجل تشكيل سورية المجزأة بين الأطراف الخارجية بحراسة أمراء الطوائف والإثنيات والحروب.
كل من يتوقف قليلا أمام صور الغوطة، يتمنى ألا تصدق عيناه ما تقعان عليه، فيختار الهرب بسرعة من المشهد، ولكن تفاصيل الصور تتسرب إلى داخل كل منا، نحن الذين نكتفي بالفرجة منذ سبعة أعوام على المذبحة، دون دراية منا لتتشكل في هيئات مختلفة، على شاكلة أحلام محبطة وكوابيس وآلام لا تساعد في تهدئتها المسكنات. وفي لحظات نظنها ذروة القتل، نخطط للهرب نحو مناطق أخرى، ولكننا لا نفلح، وكأن كلاً منا يحمل حلب على ظهره، بكل أثقالها، وهو يسير على حبل رفيع كي يعبر بها وادي الموت، نحو الضفة الأخرى.
صور متعددة للضحايا من الغوطة تأتي كل يوم، لكنها تبقى صورة واحدة في ذهن كل منا. صورة الطفل الذي لا غطاء له، وهو ينزف بين الأنقاض، تحتل المساحات الأساسية في كافة وسائل الإعلام العالمية، لتقول إن الكلام يعجز والمذبحة باتت فوق الوصف.
صورة واحدة، بهيئات تتغير، تصفع الإنسانية التي تواصل حياتها على نحو طبيعي من دون اكتراث بآلام الضحايا السوريين، في الوقت الذي يستمر بوتين بحماية الأسد ويمنع حتى صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لإدخال مساعدات للغوطة المحاصرة منذ عام 2013، وإجلاء الحالات الصحية الحرجة.
صورة واحدة بالدم ناصعة مثل ربيع الغوطة الذي سيحل بعد أيام تنقل رسالة بأن ليس هناك دموية أكثر من دم الأطفال السوريين وهو يجوب العالم، شاهداً على بربرية الروس ونظام الأسد وإيران.
الصورة مرة أخرى أقوى من الكلام، وهي تفلت هنا من حبال الخدع الكلامية التي يعمل الخطاب الموارب، بما يملك من سفسطة وابتذال، كي يموه بها مشهد المذبحة السورية.