لكن الصحافيين الصينيين يبدون تحدياً لافتاً للحزب الشيوعي الحاكم خلال الفترة الحالية، مدعومين من المواطنين والدعوات الواسعة لحرية التعبير والشكاوى من سوء المعاملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وفق ما لفت أخيراً مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" في بكين، خافيير هيرنانديز.
ولفت هيرنانديز، في تقرير نشره يوم السبت الماضي عنوانه "بينما تتصدى الصين للتغطيات المتعلقة بفيروس كورونا، الصحافيون يقاومون"، إلى أن صحافيين كثيرين توافدوا إلى ووهان، قبل إغلاقها نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي، وأنشأوا مكاتب إخبارية مؤقتة في الفنادق، وارتدوا بزات ونظارات واقية من المواد الخطرة، ودخلوا عنابر المستشفيات لمقابلة المرضى والأطباء.
وأفاد مراسل "نيويورك تايمز" بأن تقارير الصحافيين أثارت غضباً واسعاً في الصين، بعدما كشفت عن بطء جهود الحكومة في مواجهة الفيروس وإصرارها الدؤوب على إسكات أي شخص حاول التحذير من "كوفيد ــ 19".
على سبيل المثال، كشفت صحيفة "بروفايل" في الصين عن نقص حاد في أدوات الفحص في ووهان، مما أثار غضب السكان الذين طالبوا بمعرفة الأسباب وراء إهمال الحكومة. مجلة "كايجينغ" نشرت مقابلة مع خبير صحة رفض الكشف عن هويته، وأكّد أن المسؤولين في ووهان أخروا تحذير الأشخاص بشأن انتقال الفيروس من شخص إلى آخر. مجلة "كايكسين" فصلت كيفية إخفاء المسؤولين أدلة مبكرة عن تشابه الفيروس مع متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد (سارس).
جهد الرئيس الصيني، شي جينبينغ، منذ توليه السلطة عام 2012 للسيطرة على المؤسسات الإعلامية، مطالباً إياها بأن تكون ناطقة بلسان الحزب الحاكم. وفي عهد شي، تحركت الحكومة بسرعة للقضاء على التقارير الحرجة خلال الكوارث الكبرى، بما في ذلك الانفجار الكيميائي في مدينة تيانجين الساحلية عام 2015 الذي أودى بحياة 173 شخصاً.
لكن الحكومة كافحت لكبح التغطية الإخبارية بشأن تفشي الفيروس الذي أثر على حياة 1.4 مليار شخص في أنحاء البلاد، ويعود ذلك جزئياً إلى أن الشعب الصيني لجأ إلى طرق مبتكرة لتوثيق الأحداث.
ففي تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، في يناير/كانون الثاني الماضي، أشار مراسلها في شنغهاي، رايموند تشونغ، إلى أن المستخدمين الصينيين يوجهون انتقادات حادّة لحكومتهم، ويعتمدون التحايل لتجنب الرقابة الواسعة المفروضة على شبكة الإنترنت. وأشار تشونغ إلى أن الصينيين يشاركون تعليقات وصوراً تسخر من المسؤولين الحكوميين في الصين، ويكتبون عن تجارب مرعبة حول حالة أفراد الأسر غير المعالجين، وينشرون صوراً من أروقة المستشفيات التي تعج بالمرضى.
تمرد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي والصحافيين لا يلغي إجراءات الحكومة. فمنذ يناير/كانون الثاني الماضي، بدأت السلطات بإحكام قبضتها، وأعطت تعليمات لوسائل الإعلام الإخبارية التي تديرها الدولة والمنافذ شعبية للحد من القصص السلبية، حتى في التغطيات المباشرة، مثل التأثير الاقتصادي للفيروس.
وتفاقمت الحملة القمعية بعد وفاة الطبيب لي وين ليانغ في 7 فبراير/شباط، علماً أن الشرطة أسكتته بعد محاولته التحذير من الفيروس الغامض. شارك الملايين في تمرد على الإنترنت حينها، مطالبين بحرية التعبير، ومشيدين بالطبيب.
مع اشتداد الرقابة، اضطر الصحافيون الصينيون إلى الابتكار، فركز البعض قصصهم على أخطاء المسؤولين المحليين، بدلاً من الزعماء الوطنيين، لتجنب الرقابة. وشارك آخرون نصائح ومصادر إخبارية مع الزملاء في المنظمات المنافسة، في حالة قمع قصصهم الخاصة.
في سياق متصل، أفادت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية، في وقت سابق من الشهر الحالي، بأن إدارة الأمن السيبراني في الصين فرضت مجموعة من اللوائح الجديدة بشأن إدارة المعلومات على الإنترنت، بما يشجع المحتوى "الإيجابي" مع حظر المواد "السلبية" أو غير القانونية، من وجهة نظر السلطة.
خلال الشهر نفسه، كشفت مجموعة الأبحاث الكندية "سيتيزن لاب" أن تطبيق المراسلة "وي تشات" الأشهر في الصين حظر الكلمات المرتبطة بفيروس كورونا المستجد، منذ الأول من يناير/كانون الثاني الماضي. وأوضحت المجموعة أن التطبيق حظر كلمات رئيسية تدور حول فيروس كورونا وانتقاد رئيس البلاد، شي جينبينغ.
ليس من الواضح ما إذا كانت منصة "وي تشات" منعت مجموعات الكلمات الرئيسية بناءً على توجيهات حكومية أم من تلقاء نفسها. فالتقرير لفت إلى أن القرار يمكن أن يكون نتيجة "الرقابة المفرطة التي تعتمدها الشركات لتجنب التوبيخ الرسمي".