مواجهة التضليل الإعلامي: بلجيكا تختبر ديمقراطيتها

20 مايو 2018
تنتشر معظم الأخبار الزائفة عبر مواقع التواصل (برنارد لانغ)
+ الخط -
انتشار الأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت، خصوصا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، دفع بلجيكا إلى التفكير في سن قانون ضد هذه الظاهرة، لكن الحكومة ارتأت إخضاع المواضيع لاستشارة المواطنين، بالإضافة إلى تشكيل مجموعة خبراء للتطرق إلى الملف الشائك، علماً أن أوروبا كلها واجهت هذه المشكلة، وخاضت كل دولة منفردة حربها ضدها عن طريق إجراءات عدة تختلف في الأسلوب إلا أنها تجتمع تحت هدف واحد.

استشارة

"يجب إنشاء شرطة تسهر على الشبكات الاجتماعية" أو "لا يجب القيام بشيء. يجب أن يظل الإنترنت مفتوحاً وحراً. رفض لأي قانون" أو "يجب على (فيسبوك) و(تويتر) إعطاء الأولوية للصحف التي تعتبر مرجعاً والمعترف بها"؛ هي المقترحات الثلاثة التي يستطيع المواطنون البلجيكيون اختيار واحدة منها حتى 31 من مايو/أيار الحالي.

ويستطيعون فعل ذلك عبر استعمال "إعجاب" (لايك) أو "عدم إعجاب" (أنلايك)، والتعليق ونشر على أوسع نطاق لهذه الحلول الرسمية المفترض أن تكافح التضليل الإعلامي. وفي حال امتلاك المواطنين لأي فكرة عن الموضوع، فالموقع الرسمي للاستشارة يشدد على عدم ترددهم في تقديمه علنا ليطلع عليه كل المستخدمين الآخرين للموقع، مع التأكيد على أنه سيتم التعامل بشكل جدي مع كل الاقتراحات، وقد يشكل أحدها الموقف الرسمي لبلجيكا في الاتحاد الأوروبي، وقد تكون جزءاً من مشروع القانون المزمع إعداده.



الديمقراطية التشاركية

المبادرة التي أطلقها الوزير البلجيكي المكلف بالشؤون الرقمية، ألكسندر دو كرو، تعد أول استشارة علنية في بلجيكا كتنفيذ لبرنامج الحكومة المتعلق بالديمقراطية التشاركية. وقد تم تخصيص موقع لهذا النوع من الاستشارات على الإنترنت.

وكما تفسر لـ "العربي الجديد"، أنيك هوفين، الخبيرة في الشؤون البلجيكية، فقد "تم بالفعل اختبار أداة الديمقراطية التشاركية في بلدان أخرى، مثل البرتغال، حيث يخضع جزء من الموازنة العامة للدولة لاقتراحات المواطنين. في بلجيكا أيضاً انطلقت من قبل هذه العملية لكن فقط على المستوى المحلي من خلال منصة أطلقها مجموعة من المواطنين".

وأوضحت هوفين أن "الفكرة تسعى إلى خلق دينامية من التعليقات والمقترحات. ولا تخفي الحكومة البلجيكية عزمها لجعل بلجيكا مختبراً في طليعة المعركة ضد التضليل الإعلامي". ويبدو أن مثل هذه المواضيع تساهم في رفع شعبية الاستطلاعات وتجذب المواطنين للمشاركة فيها.

المفوضية الأوروبية، التي أصيبت بصدمة بسبب التأثير المفترض للأخبار الزائفة على نتيجة استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، أطلقت هي أيضاً استشارة عامة واسعة عبر الإنترنت، انتهت في 28 فبراير/شباط الماضي، بهدف تعزيز التفكير في الموقف الذي سيتم تبنيه في هذه المسألة".

وأشارت هوفين إلى أن "السؤال الكبير هو: هل يجب حظر المعلومات الكاذبة بطريقة أو بأخرى عبر جهاز تشريعي. خاصة وأن الاتحاد الأوروبي قد ركز حتى الآن على مجموعة من التدابير تعتمد على مدونة لقواعد السلوك والتنظيم الذاتي لعمالقة الإنترنت ". وينتظر أن تتخذ الدول الأعضاء موقفها من هذه المقترحات التي قدمتها المفوضية الأوروبية.



قانون في بلجيكا

ويظل التساؤل المطروح حالياً يتعلق بوجود استعداد فعلي بلجيكي، كما هو الحال في فرنسا أو ألمانيا، لتقديم مبادرات تشريعية حول ملف الأخبار الكاذبة والزائفة عبر الشبكات الاجتماعية.

وكما صرح الوزير، ألكسندر دو كرو، لمجموعة من وسائل الإعلام البلجيكية، فإن "المهم هو إيجاد حل وسط. فديمقراطيتنا تعتمد على حرية التعبير وامتلاك أفكار ورؤى مختلفة. لا يمكننا التدخل إذن في هذا المجال. وعلينا بأي ثمن تجنب اتخاذ، في بلدنا أو في الاتحاد الأوروبي، تدابير استبدادية تقيد حرية التعبير". موقف يتردد على لسان كل السياسيين البلجيكيين باختلاف توجهاتهم.

ووفقاً لآخر استطلاع أجرته مؤسسة الاستطلاعات الأوروبية، "يوروبارومتر"، في فبراير/ شباط الماضي، فإن ثمانية من كل عشرة أوروبيين يعتبرون الأخبار الزائفة مشكلة. وأكثر من نصف البلجيكيين يؤكدون على أنهم لا يثقون في المعلومات التي تنشرها وسائل التواصل الاجتماعي.

و"بما أن السؤال، على الرغم من كل شيء، ليس بسيطاً، فإن الموقف الذي ستعتمده بلجيكا لن يعتمد فقط على نتائج استطلاع المواطنين"، تشدد أنيك هوفين، مضيفة أنه "تم تشكيل مجموعة خبراء تضم أساتذة جامعيين وصحافيين ستتطرق خلال الصيف إلى مجموعة من الأسئلة، منها كيف يمكن للمواطنين التفريق بين مصادر موثوقة وأقل موثوقية للمعلومات".


المساهمون