إعلام السيسي: قضايا خارج نطاق التغطية​

06 مارس 2017
لا حرية للصحافة في عهد السيسي (العربي الجديد)
+ الخط -
قبل أعوام، استخدم الفريق أول، عبد الفتاح السيسي (صار مشيراً لاحقاً) استراتيجية الأذرع الإعلامية للاستفادة منها في تنفيذ خطة للإطاحة بحكم الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، واحتلال مكانه بالقوة العسكرية بدعم من تلك الأذرع. ولكنه بمجرد وصوله إلى الحكم، قرر تغيير تلك الاستراتيجية واستبدالها بأخرى تكون أكثر سيطرة وإحكامًا، فبدأ في تنفيذ استراتيجية وضع اليد والسيطرة المباشرة على وسائل الإعلام جميعها إلا قليلًا لا يذكر.
السبب في ذلك، حسب اعتقاد السيسي والمقربين منه، أمثال اللواء عباس كامل، مدير مكتبه المسؤول الأول عن إدارة ملف الإعلام في مصر، هو أن نظرية الأذرع الإعلامية، يمكن أحيانًا أن تؤدي إلى نتائج غير متوقعة بالنسبة لهم. فعلى سبيل المثال يمكن أن يخرج هذا المذيع أو ذاك، بحلقة تتناول قضية ما لا يريدون لها أن تناقَش من الأساس، أو أن يقوم باستضافة شخص ما غير مرغوب فيه من النظام، وهو ما حدث مرات عديدة حتى على قنوات التلفزيون الرسمي، الذي شهد أحيانًا انتقادًا مباشرًا لسياسات السيسي، أو أن يقوم صحافي ما بكتابة موضوع من بنات أفكاره هو، ويؤدي ذلك الموضوع إلى غضب السيسي ونظامه. ولذلك قرر السيسي ورجاله وضع حد لذلك وقطع تلك الأذرع الإعلامية.

ولعل أشهر وأحدث مثال على ذلك هو ما حدث مع أضخم الأذرع الإعلامية لنظام السيسي، إبراهيم عيسى، حيث تم استدعاؤه للمثول أمام النيابة أمس، بتهمة إهانة مجلس النواب. وما كان ذلك الاستدعاء إلا حلقة من حلقات التنكيل بعيسى والمستمرة منذ فترة طويلة، حيث تم وقف برنامجه على قناة "القاهرة والناس" قبل ذلك، كما أن هناك معلومات قوية تترد عن قرب وقف إصدار جريدته اليومية "المقال".

الخلاصة هي أن جميع وسائل الإعلام في مصر، سواء التابعة بشكل مباشر لمكتب اللواء عباس كامل، أو حتى "شبه المستقلة" عنه، أصبحت على معرفة تامة بما هو مسموح تناوله وما هو محرم الخوض فيه.

"العربي الجديد" علم من أكثر من مصدر داخل محطات فضائية مصرية، أن إحدى آليات تنفيذ استراتيجية السيسي لإحكام السيطرة على وسائل الإعلام، هي التواصل مع المذيعين ومقدمي
البرامج عن طريق مجموعات "غروبات" تنشأ على تطبيقات التواصل المختلفة مثل (واتساب، وفايبر) وتضم أكثر من مذيع أو رئيس تحرير برنامج، على أن يكون الـ"أدمن" هو أحد الضباط التابعين لأي من الأجهزة الأمنية التابعة للسيسي، سواء كانت المخابرات العامة أو الأمن الوطني أو المخابرات الحربية، كل حسب المجموعة المسؤول عنها. ومن خلال تلك المجموعات، تصدر التكليفات بالموضوعات التي سيتم تناولها أثناء الحلقة وتحدد أسماء الضيوف. ليس ذلك فحسب، وإنما تكون المتابعة مستمرة حتى في أثناء بث البرامج على الهواء مباشرة. وقد حدث في إحدى المرات أن جاءت رسالة نصية على الـ"غروب" لمذيع منهم بأن يقطع حديث الضيف ويخرج إلى فاصل، على ألا يعود الضيف إلى الاستديو مرة أخرى، وهذا الموقف حكاه معد البرنامج لـ"العربي الجديد". وذلك ما يفسر خروج معظم البرامج والصحف بعناوين شديدة الشبه والمضمون.

أما القضايا التي أصبح من الممنوع تناولها في إعلام عبد الفتاح السيسي، فأخذت تتسع تدريجيًا منذ توليه حكم البلاد، حتى أصبحت الآن تشمل كل شيء تقريبًا، ولم يعد يسمح إلا بالحديث حول موضوعات محددة جدًا وذات توجه أحادي حسب رغبة النظام.

وعلى سبيل المثال كانت هناك بعض الأقلام التي تعارض مثلاً توجه السيسي نحو إسرائيل، أو تتحدث عن أهمية احترام حقوق الإنسان حتى في ظل ما تروّجه الدولة من أن طبيعة المرحلة وحربها على الإرهاب تؤدي أحيانًا إلى الخطأ، كما كان هناك من يحاول أحيانًا أن يعبّر عن دعمه للشعب السوري ولو حتى بالصورة وبالدعاء. ولكن الواقع الآن أن كل ذلك أخذ في الاندثار حتى أصبح لا صوت يعلو فوق صوت السيسي، وأصبحت القضايا الوطنية والقومية في الذاكرة المنسية للصحافة والإعلام في مصر.

أولى القضايا المحظور تناولها في الإعلام المصري هي قضية القتل خارج إطار القانون، التي أصبحت مسألة عادية وطبيعية، فمنذ المجزرة التي وقعت في ميداني رابعة العدوية والنهضة، بعد انقلاب 30 يونيو/ حزيران 2013، أخذ الأمن تفويضًا بتصفية أي مواطن بدعوى أنه إرهابي، وبالطبع دون تقديم دليل على ذلك. وفي هذا الإطار كانت وسائل الإعلام في مصر في البداية تتناول ذلك بالنقد، ولكن على استحياء، ولكنها وصلت الآن إلى درجة أنها تقوم فقط بنشر البيانات الصادرة عن وزارة الداخلية دون التحقق منها أو سرد وقائع ما حدث بشكل موضوعي.



أما إذا نظرنا إلى الوضع في سيناء، فسوف نجد أنه يشكل كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فجميع الشهادات الواردة من المحافظة تؤكد على شيء واحد، ألا وهو أن ما يقوم به الجيش هناك جريمة ضد الإنسانية حيث يقوم يوميًا بقصف منازل المدنيين ويلقي القبض على السكان ويقوم بتصفيتهم ويتهمهم بالإرهاب، وكل ذلك دون تغطية إعلامية.

الشيء الوحيد الذي ركز عليه إعلام السيسي في التغطية لما يحدث في سيناء، هو عملية التهجير القسري التي نفذت ضد مسيحيين من سكان المحافظة بعد استهداف 7 منهم على مدار أقل من شهر، وذلك لأنه قد أصبح في حكم اليقين أن النظام يريد تصدير تلك الصورة إلى الغرب لإقناعهم بأن خطر الإرهاب يتزايد ويطاول مسيحيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن هناك خطة ما لإفراغ سيناء من سكانها.. وهذه الخطة تتضح معالمها يومًا بعد يوم.
دليل آخر على أن التغطية الإعلامية في سيناء انتقائية، وهو ما حدث في اليومين الماضيين مع أفراد عائلة مسلمة نزحوا من شمال سيناء هم أيضًا نتيجة خوفهم مما يحدث هناك، حيث توجهوا إلى منطقة الوادي برأس سدر في جنوب سيناء مع أسرهم، وبعد ساعات من وصولهم قامت قوات الجيش باعتقال 13 منهم، وقالت مصادر إن المواطنين المعتقلين نزحوا مع أسرهم من منطقة الجايفة بوسط سيناء، بسبب تصاعد عمليات القصف العشوائي للجيش.
وأكدت المصادر أن القوات داهمت مكان تجمع الأسر النازحة، واعتقلت جميع الرجال والشباب وقامت بتغمية أعينهم والتقاط الصور لهم وسط الزراعات.

قضية أخرى غابت تماما عن التناول الإعلامي المصري، وهي فضيحة لقاء العقبة الذي تم بين رئيس الوزراء الإسرائيلي والملك الأردني والرئيس عبد الفتاح السيسي في مدينة العقبة الأردنية، والتي كشفت عنه صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية، ومرت مرور الكرام على الصحافة والإعلام في مصر، حتى إن أشد الأصوات القومية الناصرية في مصر تجاهلت الخبر، وذلك بالطبع حتى لا تغضب السيسي.

الموقف المصري في سورية.. قضية أخرى لا يتم تناولها نهائيًا في الإعلام المصري لا سلبًا ولا إيجابا، ذلك لأن تورط مصر الشديد في ما يحدث في سورية، يشكل جريمة في حق الشعب السوري والإنسانية بكل المقاييس.

أما القضية التي تمثل ازدواجاً رهيباً في المعايير، فهي تعامل الإعلام في مصر مع قضية
التسريبات، فبينما تنشر أجهزة السيسي الإعلامية تسريبات شخصية للمعارضين، وتتناولها بالنقد والتحليل، يتجاهل الإعلام بكل أشكاله التسريبات التي تنشر للسيسي ورجاله، وكأنها لم تكن رغم ما تحمله من مضامين سياسية ومواقف، يجب أن تناقش ويتم التعليق عليها بمنطق مهني وإعلامي.

سد النهضة هو من المحظورات أيضًا في وسائل الإعلام في مصر، ذلك لأنه على الرغم من التصريحات الرسمية بأن موضوع سد النهضة يمكن بالمفاوضات أن يؤدي إلى فوائد للطرفين، مصر وإثيوبيا، إلا أن النظام يعلم على وجه اليقين أن ذلك الكلام غير حقيقي بالمرة، وأن السد يشكل كارثة بكل المقاييس، ولذلك يمنع الحديث نهائيًا في وسائل الإعلام حول ذلك الموضوع، حتى إنه قام بحبس وزير الري السابق، نصر الدين علام، في قضية إهدار مال عام دون أدلة كافية، وذلك لأنه دائما ما كان ينتقد إدارة السيسي لملف السد، وينتقد توقيعه على اتفاقية المبادئ مع السودان وإثيوبيا في الخرطوم، والتي شكلت أول اعتراف رسمي مصري بسد النهضة الإثيوبي.



المساهمون