exode... "ملايين المصائر" موثّقة بكاميرا أبطالها

09 أكتوبر 2016
يبحثون عن حياة قد تكون أفضل (تويتر)
+ الخط -
يعدّ الوثائقي "l'exode, un million de destins" (الهجرة الجماعية/الطوفان البشري... مليون مصير) الذي أشرفت عليه شركة الإنتاج الرقمية العالمية KeoFilms والـ"بي بي سي" بالاشتراك مع مجموعة "كانال بلوس" الفرنسية، وعرض يوم الخميس الماضي، أضخم عمل تلفزيوني تم إنجازه في السنوات الخمس الأخيرة، يصوّر مصائر مئات الآلاف من الهاربين من بلادهم والباحثين عن منفذ يجعلهم قادرين على الوصول إلى أوروبا.

أب سوري وبناته خرجوا هرباً من القصف اليوميّ الذي يطاول مدينتهم، شباب عراقيون يرغبون في ممارسة هواية التزلج في بلاد آمنة لا تهزّها تفجيرات طائفية، فتى أفريقي من غامبيا اضطره سوء الحال للمخاطرة بحياته كي يعيل عائلته، صبايا أفغانيات حالمات بالحرية هربن من قساوة التقاليد.. عشرات القصص التي يختلف أبطالها وتتشابه ظروفهم في سردية تبدأ من الحدود البرية لتركب البحر وتمشي آلاف الكيلومترات، وتواجه مصاعب جمّة دون أن تكون عارفة بخواتيم رحلتها، عمل دييغو بونييل، مدير التحقيقات في كانال بلوس، على تأطيرها في تجارب شخصية بدت كأنها حيوات تتعاقب نتابعها في لحظات الشقاء الأقصى ونتفاعل مع معاشهم وضحكاتهم ودموعهم.

"كان علينا أن نعطي صوتاً وصورة لأكبر ظاهرة تدفق جماعي تجتاح أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية"، يقول بونييل في حوار أجرته معه قناة "اي تيلي" (iTELE) عشية عرض الوثائقي الذي يمتد على فترة ساعتين تُعرض فيه شهادات ومقاطع حيّة لأشخاص نجحوا في تجاوز كل الحواجز الطبيعية والسلطوية. ثم يضيف في معرض تعقيبه على سؤال محاوره عن الطريقة التي تم فيها تصوير المشاهد "اخترت أن يصوّر المهاجرون واقعهم، قمت بتزويدهم بـ 76 هاتفاً محمولاً وبدأنا العمل معهم منذ 18 شهرا تقريباً، شملت الرحلات الصحراء الأفريقية الكبرى، أفغانستان، العراق، إريتريا وسورية.. واكتفيت بعشر شهادات لأشخاص تابعتهم حتى النهاية".

والحال أنّ عمق المأساة الذي يتمظهر في قرار هؤلاء في الخروج من أوطانهم، لا يعدو كونه مرحلة عبور في نزاع نفسي وجسدي طويل، مسرحه الصحراء والبحر والغابات التي تشكّل إطاراً مكانياً ترصده عدسات الموبايل على قدم وساق أثناء التصوير. في أحد المشاهد المنقولة عن رحلة الأب السوري طارق وبناته ينشب خلاف بين الأم التي تفضّل التريّث في ركوب البحر والأب الذي يعتبر المخاطرة بحياة أولاده خلاصاً لهم ولمستقبلهم.

يعلّق دييغو حول الطريقة التي استطاع فيها الوصول إلى طارق وإقناعه بالمشاركة في الوثائقي "تواصلت مع مركز حلب الإعلامي وأخبروني عن طارق، صاحب مطعم في مدينة حلب، الذي يغادر المدينة هو و16 فرداً من عائلته الكبيرة وكان من الصعب جدا الذهاب إلى سورية، فالتقيته في أزمير ورافقته حتى اليونان وهو كان يرغب في أن يروي قصة هروبه من البراميل اليومية التي كان تلقيها الطائرات في مطلع السنة الماضية على حلب لأنّه كان يخاف أن يموت أثناء رحلته وتموت قصته معه".

على أنّ مسرحة المشاهد في بلاد الموت وتتبّعها على الحدود البرية تاليا تأخذ منعرجات وأساليب مختلفة، فلا تتشابه المفاوضات حول بدل التهريب بين تركيا وغامبيا، ففي حين يغلب الإهمال على عمل المهرّبين الأتراك الذين كثيرا ما يستخدمون كونتينرات وصناديق ليست آمنة، يعتبر شركاؤهم على الطرف الغامبي أنّهم يعملون كشركة السفر وبالتالي واجب عليهم تأمين سلامة المهاجرين. وهو ما يتكلّم عنه مدرّس اللغة الإنكليزية، الشاب السوري حسن عقّاد، الذي تعرّض للاعتقال والتعذيب في حلب بسبب مشاركته في مظاهرة سلمية سنة 2012 ليخرج من السجن ويقرّر الهرب من جحيم الحرب: "طلب مني المهرّبون 1800 يورو لتهريبي في قارب صغير ويرتفع المبلغ إلى 2000 يورو في قارب شراعي أكبر ليصل إلى 5000 في القوارب الكبيرة الآمنة! الآمنة؟ لا شيء آمناً". تذهب بنا الكاميرا إلى مشهدين يجسّدان في وقت أوّل تحضير حسن لرحلته من خلال تدرّبه على العوم والسباحة في فندق تركي، وركوبه القارب في وقت ثانٍ ليقفل على صورة الماء الذي يجتاح أرض القارب وصوت أحد المهاجرين معاتباً حسن، الذي رمى بنفسه في الماء "شو عم تصوّر لك انت شو عم تصوّر".

يفتح الصمت الذي يرافق سير الرحلات الباب أمام مخيّلة المتلقّي لرسم مسارات الخلاص، إذا توفّرت، وتواترها كرغبة لدينا في وضع حد لتلك التراجيديا التي حصدت عشرات آلاف الضحايا وما زالت. يجمع المتحدّثون، أصحاب المعاش الصعب وأبطال الفيلم، على كلمة "حرية" ويضعونها في وجه كلمة "موت" فتقول إسراء ابنة الحادية عشرة "لا أعرف حقا إذا كنا سنستطيع النجاة، وحده الله يعرف، قد نموت في طريقنا إلى الحياة والحريّة".





المساهمون