بداية العام الجاري، أصدرت المغنية الفرنسية، سوزان، الجزء الثاني من ألبومها toi toi؛ العمل الذي حطم الجزء الأول منه كل الأرقام القياسية العام الماضي، والذي كان أول الألبومات التي تنتجها سوزان، التي تأخرت بالبدء في مسيرتها الفنية حتى بلوغها الثلاثين. ويحتوي الجزء الجديد من الألبوم على خمس أغان، بالإضافة إلى الأغاني الأربع عشرة الأصلية التي احتوتها النسخة الأصلية من ألبوم toi toi.
نبدأ بالحديث عن سوزان من خلال تحليل المكونات البصرية التي تحددها؛ إذ إن الفنانة، في كل الفيديوهات والحفلات، تحرص على الظهور بالإطلالة ذاتها، بشعرها الأحمر القصير، وبزتها المميزة الملونة بالأزرق والأسود والأبيض، التي استوحت ألوانها من أزياء لويس الرابع عشر، واستوحت تصميمها من أفلام بروس لي، وأزياء ألفس برسلي.
بذلك، نجحت سوزان في رسم صورة أيقونية لها بفترة قياسية، لتحذو بذلك حذو النجمات الفرنسيات الكلاسيكيات اللواتي صدرن لأنفسهن صوراً أيقونية من قبل، مثل آنديلا. لكن الأمر المختلف عند سوزان أنها اختارت صورة فاقعة ومختلفة عن كل ما سبقها، لتعكس روحاً متمردة، تزداد توهجاً أثناء رقصها العنيف وحركاتها التي تبدو مزيجاً خاصاً من الحركات القتالية والرقص المعاصر. ولا تختفي عندما تتقلص حركاتها للحد الأدنى وتترك المهمة للغرافيك، كما هو الحال في أغنية QUATRE COINS DU GLOBE.
هذه الصورة لا تخرج عنها سوزان سوى بحالات خاصة جداً، إذ إنها حين تريد أن تلعب دوراً ما، ترتدي زياً آخر أكثر بساطة، هو ثابت أيضاً، مكون من بنطال بني وقميص أبيض؛ هذا الزي حضر أول مرة بكليب أغنية Suzane، التي أصدرتها ضمن ألبومها الأول، وخصصتها لتسرد حكايتها مع حلمها الفني، الذي كان يراودها أثناء عملها كنادلة في إحدى الحانات الباريسية في العشرينيات من عمرها، وبعد انتهائها من دراسة الموسيقى؛ لتلخص بأغنية واحدة أعواماً طويلة من اليأس والانكسار.
وعادت لتستخدم ألوان الأزياء ذاتها في أغنية SLT، التي تتناوب بها على لعب العديد من الأدوار، ضمن الحكايات التي تسردها عن معاناة المرأة في مكان العمل، لتلعب دور المرأة المغلوب على أمرها، ودور الشاب المتحرش، وتحضر في الوقت ذاته بزيها الأيقوني لترقص رقصاتها العنيفة، وهي تردد: "قاتلي قاتلي". عادت سوزان لتستخدم زيها البديل في أولى أغاني الجزء الثاني من ألبومها، Pendant 24 heures، التي شاركها بها مغني الراب الفرنسي Grand Corps Malade، لتسرد من خلال لعبة تبادل الأدوار ما بين الرجل والمرأة المزيد عن معاناة النساء في ظل المجتمعات الذكورية.
تكاد لا تمر أغنية واحدة ضمن ألبوم سوزان بجزأيه، من دون أن يتم ربطها بقضية كبرى تحملها، فهي تناقش في أغنية Il est où le SAV الأزمات البيئية، وتناقش في Monsieur Pomme مسألة السوشيال ميديا والخصوصية، وتتحدث في أغنيتي Anouchka وL'Appart vide عن ميولها الجنسية المثلية، وتركز بمعظم الأغاني على القضايا النسوية ومعاناة المرأة في المجتمعات الذكورية.
لكن هذه المعاني الثقيلة، تمر بسلاسة ورهافة خالصة، بفضل الوصفة السحرية التي تتبعها سوزان بإنتاجها الموسيقي؛ إذ إن الفنانة الشابة تعتمد بشكل كبير على السرد، وتؤدي حكاياتها بأشكال أداء متنوعة، تتراوح ما بين الأداء الكلاسيكي والراب، لتعطي أغانيها إحساساً بالمرونة غير معهود بالموسيقى الفرنسية.
وترافق الكلمات موسيقى إلكترونية تمزجها سوزان من عناصر متنافرة، لتشكل من خلال الأصوات الرقيقة هيكل الأغنية الرئيسي، وتقحم أصوات تستغرق مساحة زمنية أكبر لتشكل اللازمة العريضة والجذابة. رغم أن مجمل أغاني سوزان هي تجربة موسيقية فريدة تستحق الإشادة والاهتمام، لكن أغنية L'insatisfait التي افتتحت بها الجزء الأول من الألبوم، هي الأغنية الأكثر تكاملاً؛ ففيها تنجح برسم صور شعرية فائقة عن نمط الشخص المستاء من الحياة، لتبدو وكأنها صاغت الكلمات لتصنع ملحمة شعرية عن حياة شخص لا يوجد فيها ما يستحق الوقوف عنده، لتقدم من خلال ذلك الكلمات الأمثل لألحانها الغريبة؛ إذ يرد في الأغنية:
"لقد مضى وقت طويل منذ أن تحولت حياة العزوبية إلى روتين، ترغب بالتخلي عنه للحصول على فتاة جميلة. بالمقابل، يحسدك أصدقاؤك المتزوجون منذ ذلك الحين، عندما ضاع الشغف وعلق الخاتم على الإصبع. سيذهب إلى نهاية العالم ليبحث عن شيء يملكه بالأصل، ليتخلص من وظيفة لم يحصل عليها بعد؛ مستاء مدى الحياة، إنه مريض، لديه فيروس لا يمكن علاجه. إنه يدخن روحه ويدخن الهلوسات، وفي الضباب يحنّط عروقه. إنه يريد المزيد دائماً، لا يكفيه شيء أبداً، وإن تمكن من ملامسة القمر سيرميه بعيداً".