دعا الموسيقي عمر الرحباني إلى حفل توقيع ألبومه الجديد Piano Concerto No. 1 في الجامعة الأميركية في بيروت، وحضرته شخصيات رسمية وهواة موسيقى وفنانون قدموا لمتابعة أعمال "الحفيد" الذي اعتمد على موسيقى مغايرة لإرث جدّه منصور الرحباني، ولو أنّه نشأ على هذا الخط الذي أثرى الفن اللبناني وتحول إلى مرجعية منذ خمسينيات القرن الماضي.
متخذاً من جيل التسعينيات مقدمة للتعريف عن ألبومه الجديد، وقف عمر الرحباني على مسرح شارل هوسلر، ليروي تجربته مع هذا العمل الذي صارع من أجله. قال إنه حاول بداية تنفيذه متنقلاً بين عدة دول أوروبية وأميركية، لكنه لم يوفق، بسبب صعوبة جمع أنماط الموسيقى التي ألفها، وهي مزيج من موسيقى غربية وهندية وبرازيلية وشرقية، في معزوفة تتجاوز مدتها نصف ساعة.
رفض عدد من محترفي الموسيقى في العالم مشاركة الرحباني في تنفيذ المعزوفة لأسباب كثيرة، منها ضيق الوقت ودقة الموسيقى التي تلزمها أشهر من التدريب. سنتان، بحسب ما صرح به عمر الرحباني لـ"العربي الجديد"، والمشروع مؤجَّل، حتى تلقى اتصالاً من صديقه بعد عودته إلى العاصمة اللبنانية، واتّخذ قراراً بتنفيذ وتسجيل المعزوفة في بلده الأم. وكانت النتيجة "كونشرتو البيانو رقم 1"، ما يعني جمع آلة موسيقية منفردة مع أوركسترا غنيّة مؤلفة من مجموعة كبيرة من العازفين.
يمكن الفصل التام بين الموسيقي الشاب والإرث الفنّي الرحباني الكبير. في المقتطف الذي عُرض محاولة مختلفة يسير عليها الرحباني متخذاً من البيانو أساساً للتوزيع والتأليف الموسيقي. لا يبدو عزفه تقليدياً من خلال المشاهد المصورة بكاميرا شقيقه، المخرج كريم الرحباني، ولا حتى تفاعله مع الموسيقى التي كتبها، بل يحملنا إلى عالم موسيقي ما كنا ننتظره، كوننا أمام رحباني يشق طريقه بالموسيقى أيضاً. رحلة إلى حفلات ومهرجانات أحياها عمر الرحباني بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة وبيت الدين في لبنان تتخطى إطار الموسيقى المعروفة أو تلك التي سمعناها من قبل.
ينفعل العازف الشاب على البيانو كأنّه مقاومٌ قرر الانقلاب المفاجئ على الموسيقى وجيل الأوائل بحنكة لا تستهين بهؤلاء، مستعيناً بالإيقاع الذي يؤجج صراع الآلات الموسيقية، ويحفزنا على الانتظار لمعرفة النهاية. لا يصل صوت الموسيقى إلى حدود، بل هو مفتوح أمام انقلاب واضح في السلم الموسيقي، تماماً كما هو حال آخر المعزوفات التي تعذب جداً في تنفيذها متحدياً نفسه.
لا قانون يسجله عمر الرحباني في رحلة عزفه على البيانو أو لنقل يلتزم به، بل يبدأ من صراع داخلي يظهر واضحاً في قساوة وجهه، ويندرج إلى أصابع يديه، وكأنه جندي في معركة تنتهي بسلام يرضي رغم ارتفاع حدة الإيقاع والختام.
بين أبوظبي وبيروت وغيرهما، وقع عمر الرحباني ألبومه مع خريطة هدية للاستماع إلى العمل، معترفاً بثورته أمام الجمهور حاضر الأمسية، متمنياً الاستماع إلى الألبوم الجديد عبر "سي دي" ومجابهة عالم الإنترنت والهواتف المحمولة، كونها تسيطر على الذوق الموسيقي العام. ما دفع، بحسبه، بعض المؤلفين والملحنين إلى تقليص وقت المعزوفة لتصل إلى حدود الدقيقة الواحدة، وذلك من أجل نشرها على تطبيق تيك توك الذي يلقى رواجاً واسعاً حول العالم.