#MeToo... صرخة ما زالت تدوّي منذ 2017

26 أكتوبر 2022
ارتفعت البلاغات عن العنف الجنسي في فرنسا بنسبة 82 في المائة (سامويل بويفين/Getty)
+ الخط -

كانت عاصفة أخرجت كثيراً من الكلام إلى العلن. أصوات نسائية التقت في منطقة بوح جماعيّة، رافعة الغطاء عن شخصيات نافذة. عوالم سفلية ضجّت بعمليات التحرش والاغتصاب. رجال استفادوا طويلاً من نفوذهم في مجالات، وما زالوا كذلك حتى اليوم. لكن شيئاً ما تغيّر في الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2017، حينما نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالاً عنوانه "هارفي وينستين دفع أموالاً على مدار عقود لإسكات نساء يتهمنه بالتحرش"، فاتحة أبواب جهنم على المنتج السينمائي الأميركي. بعدها بأيام قليلة، نشرت مجلة نيو يوركر شهادات لثلاث ممثلات، اتّهمنَ من خلالها وينستين باغتصابهنّ. في 15 أكتوبر 2017، أي أيّام قليلة بعد إطلاق الصحافة الأميركية الشرارة الأولى، غرّدت الممثلة الكوميدية الأميركية أليسا ميلانو، داعية ضحايا التحرش الجنسي من النساء إلى الإدلاء بشهاداتهنّ، واستخدام وسم MeToo# (#أنا_أيضاً).

لحظة تاريخية، تغيّر الكثير من بعدها. سريعاً ما خرج الوسم من حدود الولايات المتحدة الأميركية، ليصل إلى أكثر من 85 دولة حول العالم، وليجري تداوله في لغات كثيرة. لم يكن وسم #أنا_أيضاً جديداً، بل سبق وأطلقته الناشطة الحقوقية تارانا بيرك عام 2006، وذلك للحديث عن قضية ضحايا عنف جنسي بحق قاصرين. في فرنسا، كانت الصحافية ساندرا مولر أول من أطلق الموجة محليّاً، وذلك أيضاً بعد أيام من انتشار حملة وأنا أيضاً. خرجت مولر على موقع تويتر، ونشرت كلاماً توجّه به إليها الرئيس السابق لقناة إيكيديا، إيريك برييون، والذي حمل إيحاءات جنسية فاضحة. في تغريدة أخرى، أطلقت دعوتها للإدلاء "بالأسماء والتفاصيل عن التحرش الجنسي الذي تعرّضت له في مكان العمل". وأرفقت هذه التغريدة بالدعوة لاستخدام وسم #Balancetonporc، أي "اكشفي خنزيرك". برييون رفع دعوى تشهير ضد مولر، بُرّئت منها في مرحلة الاستئناف والنقض.

خلال هذا الوقت، استقبل العديد من وسائل الإعلام الفرنسية برييون للحديث عن الموضوع، وفُردت له المساحة الإعلامية، على الرغم من عدم إنكاره الكلام الذي ذكرته الصحافية في تغريدتها، بل انحصر اعتراضه على التفاصيل، وتالياً كيفية توظيف الكلام. في صحيفة لو موند الفرنسية، وبعد نحو شهرين ونصف من تغريدة مولر، نشر برييون مقالاً اعترف فيه بالكلام ذي الإيحاءات الجنسية، وتقدّم باعتذار من مولر. لكن اعتراضه جاء على ذكر اسمه ضمن هذه الحملة، إذ لا يعتبر ما ارتكبه به تحرشاً وذلك لخلّوه من فعل الإلحاح (حسب التعريف القانوني). واستغرب الربط الحاصل بين قصّته مع هذه الصحافية وقضية وينستين.

خلال هذه السنوات الخمس، وحسب تقرير صادر في بداية العام عن وزارة الداخلية الفرنسية، ارتفعت البلاغات عن العنف الجنسي في فرنسا بنسبة 82 في المائة. عدد البلاغات في باريس، على سبيل المثال، ارتفع بنسبة 30 في المائة مقارنة بالعام الفائت، وذلك فقط حتى منتصف سبتمبر/أيلول الماضي. هذا لا يعني أن عدد الإدانات أو المحاسبة إلى ارتفاع، أو أن تعامل الشرطة الفرنسية مع هذا النوع من القضايا في تحسّن. لكن شيئاً ما تغيّر منذ عام 2017، وهو أن النساء وجدنَ في الكلام فعلاً ممكناً، ولم يعد الاعتداء عليهنّ أو على مساحاتهنّ مقبولاً أو "طبيعيّاً". كما أن مطالبتهنّ بالمحاسبة، وعدم الاكتفاء باعتراض لفظي أو حتى الصمت التامّ، حق لا بُدّ من تحصيله.

مع تحرّر الأصوات جماعيّاً عام 2017، تزايد اعتناء المنصات الإعلامية الفرنسية بمناقشة مواضيع التحرش، النسوية أو مفهوم "القبول" في العلاقات الجنسية والعلاقات القائمة على النفوذ في أماكن العمل. كما يُمكن ملاحظة تغيّر آليّات المعالجة والعرض الإعلامي، خصوصاً في كيفيّة التحقيق والاستماع والتحقّق من شهادات النساء عن وقائع اعتداء من رجال نافذين. عدد البرامج (المسموعة والرقمية خاصة) باللغة الفرنسية، المخصصة للحديث عن التحرش، وكيفيّة إرساء المجتمعات البطريركية أرضية صلبة "تُشرعن" الاعتداء على النساء، في تزايد مستمرّ منذ انطلاق الحملة.

في حديث مع نساء فرنسيات مهتمات بالحركة، يصنّفنَ أنفسهنّ "نسويّات"، ذكرنَ أن تأثير هذا النوع من البرامج وتزايدها ساهم في توسيع قدرتهنّ على فهم هذا النوع من القضايا وجعلهنّ أكثر وعياً لتفاصيل كانت لتمرّ من دون الانتباه إليها. وهنا دورٌ إعلامي بدأت المنصات باتّباعه، سواء للحاق بموجة أكبر من قدرتها على تجاهلها، وكذلك لتزايد في أعداد الصحافيات والصحافيين الملتزمين بهذه القضية.

في فيديو خاص لصحيفة لو موند الفرنسية، يحكي صحافيون وصحافيات عن التغيّر الراديكالي في شكل تعاملهم مع قضايا التحرش، بعد أكتوبر/تشرين الأول 2017. هذه العاصفة أجبرت مديري التحرير على تغيير تعاطيهم مع قضايا الاعتداء على النساء، كما أجبرتهم على استدعاء شابات عاملات في القسم الرقمي في الصحيفة لأخذ آرائهنّ في كيفية اعتماد معالجات صحافية على مستوى الحدث.

مجموع الرجال من الصحافيين، الذين عادة ما يتبوّؤن المناصب الأعلى ويشكلون نسبة أعلى من النساء العاملات في المجال، كانوا قاصرين عن إدراك أهمية اللحظة واستثنائيتها. تحكي الصحافية الاستقصائية العاملة في صحيفة لو موند، إيميلين كازي، عن التحول التام من "التشكيك" إلى "التحقّق" في شهادات الضحايا من النساء، إذا ما قورنت المعالجات الصحافية بين قضايا تحرش رجال نافذين ما قبل 2017 وما بعده. لهذا، اعتمدت الصحيفة ثلاث قواعد واضحة لمعالجة هذه القضايا، وهي: محاورة الشهود جماعيّاً (أي اعتماد أربعة صحافيين من الذكور والإناث)، والتحقّق من أصغر تفصيل في رواية الشهود (حال الطقس في يوم الاعتداء وغيرها)، وأخيراً في حال وجود شكوك حول الرواية يجب عدم النشر.

حملة "اكشفي خنزيرك" في فرنسا، طاولت إلى الآن أسماء رجال نافذين، سواء من عالم السينما أو الإعلام أو السياسة... وما بين فترة وأخرى، تخرج ضحايا جدد إلى الإعلام (غالباً بأسماء وهمية) للإشارة إلى حوادث اعتداء وتحرش. حتى اليوم، يقود الإعلام ومعه وسائل التواصل الاجتماعي هذه المعركة، ناقلاً أصوات النساء، ما يجعل المسؤولية كبيرة والوعي ضروريّاً من أجل تبنّي خطاب أخلاقي مُنصف للضحايا.

المساهمون