انتهى أخيراً عرضُ الجزء الأول من مسلسل الأنمي Heavenly Delusion. ثلاث عشرة حلقة تدور أحداثها في اليابان ما بعد انهيار الحضارة. الفكرة قد لا تبدو جديدة، ففرضية العثور على الأمْل في عالْم مُظلم قد عولجت من قَبل وأصبحت مستهلكة، بل يمكن القول إن العمل يتشابه حد التطابق (من ناحية جوّه العام) مع مسلسل ولعبة الفيديو Last of Us ومسلسل الأنمي Dr. Stone.
أنتج العمل استديو "آي. جي." وأخرجهُ هيروتاكا موري استناداً إلى المانغا التي كتبها ورسمها ماساكازو إيشيغورو عام 2018، ليس للمخرج أو الكاتب أية أعمالٍ بارزة، لكن للاستديو قِصة مختلفة، إذ تخصصَ مُنذ بداية التسعينيات بإنشاء أعمال أنمي بارزة تحت تصنيف الخيال العلمي مثل سلسلة Ghost in the Shell ومسلسل Psycho-Pass، واستطاع أن يحقق أمجاداً تاريخية وأعمالاً لا تنسى تحولتْ إلى كلاسيكيات.
تبدأ قصة Heavenly Delusion زمنياً بعد مرور 15 عاماً على الكارثة التي قضت على الحضارة الحديثة. تَنقسِم القصة إلى قسمْين متعارضين، لكلٍ منهما شخصياته المُختلفة، ولا نعلم إن كانت أحداثُهما متوازية زمنياً. تدور الأحداث في منطقتين مختلفتين وهي مُضللة كتسلسلها الزمني، المنطقة الأولى تدعى الجنْة وهي مدرسة/منشأة لنوعٍ جديدٍ من البشر، يتم فيها تربية مجموعة من الأطفال خارقي القوة بواسطةِ رجال آليين وبعض البالغين غريبي الأطوار. الجنّة مكانٌ معزولٌ تماماً عن الخارج، وكل المفاهيم الاجتماعية المتعارف عليها في زمن قبل الانهيار غائبة. في هذا المكان التجارب العلمية لا حدودَ أخلاقية لها، الاستقلال الجسدي للأطفال والمراهقين مفقودٌ تماماً ومعه التوجيهات الأخلاقية.
المنطقة الثانية هي العالَمُ الخارجي، حيثُ تكافح مجموعاتٌ بشريةٌ متفرقة من أجل البقْاء، نتابع مارو وحارسته الشخصية كيروكو في رحلتهما للبحث عن المكان الذي يدعى الجنة، يواجهان فيها وحوشاً غريبة تأكل البشر، أتت كنتيجة للكارثة التي دمرت الحضارة السابقة.
حافظ العمل على سردٍ كثيفٍ للأحداث على الرغم من التنافر الواضح بين الخيال العلمي ورعب الجسد الصناعي في القصة. وترك المسلسل مساحات بصرية للتأمل في هذا العالم والتفكر في القضايا الاجتماعية الرئيسية في حياة ما بعد الانهيار بدءاً من المعايير الجنسانية والجسد البشري وليس انتهاءً بالذكاء الاصطناعي وتحكمه بالبشر.
لوحةُ الألوان المستخدمة في العرض هي العمود الفقري له، إذ ركْز العمل على المناظر الطبيعية المزخرفة، وتسلسلات الحركة بمستوى عال من الواقعية، وقدم لوحة فريدة لعالم ما بعد الانهيار، أيضاً ساهمت الموسيقى التصويرية التي ألفها كينسوكي أوشيو في تحسين الجو العام للعمل ودفعه للأمام بعد أن تماهت مع العمل وأصبحت عُنصراً عضوياً وليس تكميلياً.
دار نقاشٌ طويل حول تصنيف العمل من حيث نوعه، ذلك بسبب المشاهد والأفكار الصادمة التي عَرضَها. البعض يصنفهُ رعباً والبعضُ الآخر يصنفه خيالاً علمياً، وفئة صغيرة تصنفه مجرد خيال وانتهى.
للفصل في هذا النقاش نحتاج لتصنيف عناصر هذه الأنواع وكيفية توظيفها، إذ لا حدود واضحة بين الخيال العلمي والخيال والرعب، المواضيع الرئيسية لهذه الأنواع/الأجناس هي السفر عبر الزمن والغزو الخارجي والكائنات غير البشرية بغض النظر عن موقفها من البشر أو الشكل الذي تمثله من الحياة (نباتية كانت أو مائية أو آلية...)، يتحدد الفارق بينها في دور العلم وحدوده الحقيقية.
لم يحصل العمل على انتشارٍ واسع وذلك لأسباب عدة، أهمها التضليل المبالغ فيه في الأحداث، الذي ترك أسئلة كثيرة من دون إجابة.
لا إعلانات رسمية لتأكيد ما إذا كان هذا الأنمي سيحظى بجزء ثان، لكن الاحتمالات مفتوحة. ويمكن الاعتماد على مدى نجاح المسلسل عبر منصة ديزني بلس للإجابة بحسم عن هذا السؤال. في حال إصدار جزء ثان، ستعود معه شخصيات كثيرة من الجزء الأول، لكن شخصيات عدة حسم مصيرها في الجزء الأول ومن المؤكد أنها لن تطل مجدداً.