DeepL... قصة المراهق البولندي الذي أنقذه الذكاء الاصطناعي

04 يونيو 2024
ياروسلاف كوتيلوفسكي "البطل الصامت في مشهد الذكاء الاصطناعي الألماني" (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شركة DeepL الألمانية، المتخصصة في تطوير أدوات الترجمة بالذكاء الاصطناعي، جمعت 300 مليون يورو، مضاعفة قيمتها السوقية لملياري دولار وتنافس كبرى شركات التكنولوجيا مثل Google وMicrosoft.
- توسعت الشركة بإضافة عشر لغات جديدة لخدمتها، مستهدفة الأسواق الآسيوية والعربية، ونمت لتصل إلى حوالي 900 موظف تحت قيادة ياروسلاف كوتيلوفسكي، المعروف بتأثيره في مجال الذكاء الاصطناعي.
- ياروسلاف كوتيلوفسكي، مؤسس DeepL، استلهم تأسيس الشركة من تجربته الشخصية كمهاجر، محققًا نجاحًا يتجاوز الحدود اللغوية ومركزًا على تقديم ترجمات دقيقة وتحسين الخدمة بناءً على ملاحظات العملاء.

استطاعت شركة DeepL الألمانية، التي تطوّر أداة ترجمة قائمة على الذكاء الاصطناعي وتترجم إلى 32 لغة عالمية، أن تكسب ثقة المستثمرين وتجمع 300 مليون يورو قبل أسبوعين، ما ضاعف قيمة الشركة في الأسواق العالمية إلى  ملياري دولار خلال عام  واحد.
في إبريل/ نيسان الماضي أيضاً، صنّفت مجلة فوربس الاقتصادية الشركة التي تتخذ من مدينة كولونيا الألمانية مقرّاً لها، بوصفها واحدة من بين أكثر الشركات الناشئة الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي في ألمانيا، ما أدخل DeepL  في دائرة المنافسة مع عمالقة وادي السيليكون وعلى رأسهم "غوغل"، و"مايكروسوفت"، و"أوبن إيه آي". وبحسب آخر إحصاءات الشركة المعلنة، بلغ حجم مبيعات DeepL خلال 2021 ما قيمته 28.3 مليون يورو، مع صافي ربح قدره (1.5) مليون يورو، ما جعل الشركة تتوقع مضاعفة حجم مبيعاتها وأرباحها خلال الأعوام القليلة المقبلة.

DeepL ترجمة تتفوق على "غوغل"

حظيت DeepL باهتمام عالمي بعدما أثبت الخبراء أن ترجماتها المبنية على الذكاء الاصطناعي كانت أفضل بكثير من ترجمات Google Translate وحتى "تشات جي بي تي". إضافة إلى الوتيرة التي تثري بها DeepL باقة اللغات التي تقدمها للشركات والأفراد، ففي أشهر قليلة أضافت الشركة عشر لغات إضافية إلى باقتها، من بينها الكورية والنرويجية والعربية، ما يعني أن الأسواق الآسيوية والعربية هي الأخرى ستكون هدفاً للشركة في خططها المقبلة.
تأسّست شركة DeepL عام 2017 بفريق عمل يتكون من 22 موظفًا فقط، وبسبب نموها السريع، صار لدى الشركة اليوم نحو 900 موظف، ويعمل هذا الفريق النشط تحت إدارة مؤسس الشركة ورئيسها التنفيذي ياروسلاف كوتيلوفسكي ذي الـ 41 عاماً، والذي تلقبه الصحافة الألمانية بـ "البطل الصامت في مشهد الذكاء الاصطناعي الألماني"، والحقيقة أن هذا التوصيف لا يبتعد كثيراً عن شخصية  كوتيلوفسكي وقصة نجاحه المثيرة.

المراهق البولندي

هاجر ياروسلاف كوتيلوفسكي وهو في الثانية عشرة من عمره مع والديه من بولندا إلى ألمانيا، من دون أن يعرف كلمة واحدة باللغة الألمانية، وشكلت هذه المعاناة مع اللغة الجديدة الخيط الأول الذي دفع الطفل البولندي اليوم إلى تأسيس شركة معنية بتذويب الحدود بين اللغات، وهو ما أوضحه قبل عام لصحيفة كولونيا بيزنس بقوله: "أوصلتني هذه التجربة إلى ما أنا عليه اليوم، ولولا جهلي باللغة الألمانية لما كان هناكDeepL من الأساس".
بعد إتمام دراسته لعلوم الكمبيوتر، أسس كوتيلوفسكي مع آخرين شركة Linguee عام 2012، وهي شركة صغيرة مقرها كولونيا، تقدّم قواميس ترجمة عبر الإنترنت معتمدة على قواعد بيانات كبيرة خالية من الأخطاء، تشبه قواعد البيانات الخاصة بالمؤسسات الأوروبية، ومع استمرار تطور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أدرك كوتيلوفسكي أن "قواعد البيانات" كانت الأساس المثالي لإنشاء "آلة ترجمة متطورة" باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهنا بدأ ينظر إلى الأمر كله من زاوية مختلفة.
في عام 2017، أسس كوتيلوفسكي شركة DeepL، وادخل Linguee الصغيرة تحت جناحها، ليحول الشركة الخاسرة إلى قصة نجاح لا تزال تبهر وادي السيليكون نفسه، خاصة حين أتاح نظام الاشتراكات للأعضاء من شركات وأفراد (يتيح الموقع ترجمة مجانية للنصوص بحد أقصى 1500 حرف)، ليصبح لدى DeepL اليوم أكثر من مئة ألف اشتراك مدفوع.
 ويفسر مهندس البرمجيات البولندي العامل الرئيس في نجاح الشركة بعبارة واحدة: "التركيز على هدف واحد وعدم تشتيت الجهود"، ما يفسره في موضع آخر بقوله: " أما في ما يخص شركة مثل غوغل، فإن الترجمة إحدى خدماتها العديدة، أما نحن فليس لدينا مهمة أخرى سوى تقديم ترجمات دقيقة بالاعتماد على تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، إضافة إلى أننا ننصت إلى ملاحظات عملائنا باستمرار، لنتمكن من تلبية أفضل صيغ الترجمة، وصحيح أننا نقدم اليوم خدمات الترجمة إلى 32 لغة فقط، وهو أقل بكثير من بعض منافسينا، إلا أن "جودتنا" أفضل بشهادة الخبراء".
تمتلك DeepL، التي يأتي اسمها اختصاراً لـ DeepLearning، مكاتب في تكساس واليابان، ولكن مكتبها المركزي يقع في مبنى عادي في مدينة كولونيا الألمانية. ويصف كوتيلوفسكي أوروبا بأنها "البيئة المثالية" لشركته، حيث يتم التحدث فيها بأكثر من 200 لغة ولهجة، وأكثر من 60 في المائة من مواطني الاتحاد الأوروبي يتحدثون لغة ثانية غير لغتهم الأم: "إن العالم الأنغلوسكسوني لا يدرك معنى العيش في منطقة تُستخدم فيها العديد من اللغات، لذلك ليس وادي السيليكون مكانًا جيداً لشركة متخصصة في الترجمة".

الذكاء الاصطناعي خارج دوائر الأكاديميات

يشعر كوتيلوفسكي بالرضا لخروج الذكاء الاصطناعي من الدوائر الأكاديمية ليجد طريقه اليوم إلى خدمة "المتطلبات الطبيعية والمهنية للناس"، وفي رأيه أننا: "وصلنا إلى لحظة تاريخية أصبحت التطبيقات فيها أكثر سهولة وأفضل تقنية وأرخص سعراً، بفضل البحث والنمو الكبير للذكاء الاصطناعي التوليدي والتطوير المستمر الذي تشهده التكنولوجيا في السنوات الأخيرة". وفي رأي رجل الأعمال الشاب أن شركته تساعد على توفير أداة تعمل على تحسين وتوطيد "التفاهم والتسامح بين الناس"، يقول: "نحن نساعد الناس، ولا نستبدلهم"، ردّاً منه على الشكوك التي طُرحت حول المخاطر المحيطة بمهنة الترجمة ومدى سيطرة الآلة عليها.
بانتهاء جولة الاستكتاب التي أدارتها شركة "إندكس فنتشرز" الأسبوع الماضي لمصلحة DeepL، والتي وصلت إلى جمع 300 مليون يورو من المستثمرين في أيام قليلة، أصدرت الشركة بياناً لرئيسها التنفيذي قال فيه: "إن هذا الاستثمار سيوفّر دعماً لمهمة "ديبل" في إحداث تحوّل كبير على مستوى التجارة العالمية بأكملها، لأن مهمتنا هي تسهيل التواصل بين الشركات فيما بينها حول العالم".
بهذا المفهوم الذي تتعامل فيه DeepL مع تقنيات الترجمة الحديثة، تحقق ربما المقولة الواردة في سفر التكوين "كانت الأرض كلها لساناً واحداً ولغة واحدة"، مع فارق بسيط، أن الشركة الطموحة تسعى إلى تحويل الفعل الماضي في الآية السابقة، إلى حاضر ومستقبل.

تكنولوجيا
التحديثات الحية

لم تتوقف جهود DeepL فقط على تقديم ترجمات احترافية للشركات والأفراد حول العالم، بل أطلقت في إبريل الماضي أداة جديدة باسم DeepL Write Pro مدعومة بتقنية LLM المتطورة، التي تساعد على تعديل النصوص وصياغتها بصورة احترافية، ما جعل مجلة فوربس تتوقع للشركة الواعدة أن تتصدر سباق شركات الذكاء الاصطناعي في مجال "استثمار اللغات" والتي تبلغ قيمتها اليوم 67.9 مليار دولار، ومن المتوقع أن تنمو إلى 95.3 مليار دولار بحلول عام 2028.
تشكل طموحات DeepL المتنامية رغبتها في أن تكون "برج بابل الجديد" أمام عمالقة وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها من بلدان العالم، خاصة أن النمو السريع للشركة يثبت أن المنافسة محسومة للمراهق البولندي الذي دخل ألمانيا ذات يوم من دون كلمة ألمانية واحدة، فقرر أن يمتلك اللغات، بالأحرى، 32 لغة فقط، حتى اليوم!

المساهمون