6 سنوات من حكم عون: الحريات في أدنى مستوياتها

02 نوفمبر 2022
أكثر من 800 انتهاك سُجّل في مجالي الثقافة والإعلام (حسين بيضون)
+ الخط -

يطوي لبنان صفحة عهد الرئيس ميشال عون، بعد ولاية استمرّت 6 سنوات، سُجلت فيها انتهاكات غير مسبوقة بحق الحريات الإعلامية، وتراجعاً كبيراً في مستوى حرية الصحافة التي كانت البلاد تتغنى بها خلال العقود الماضية. ووثقت منظمات صحافية وحقوقية تدهوراً كبيراً في حرية التعبير وتراجعاً في الحريات الإعلامية في لبنان، وتحديداً خلال عامي 2019 و2021، إلى درجة دفعت "هيومن رايتس ووتش" و13 منظمة لبنانية ودولية إلى إطلاق تحالف، في محاولة للتصدي لهذا القمع.

وفي وقت اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن اغتيال المؤرخ والناشط السياسي لقمان سليم، في 4 فبراير/شباط 2021، أفظع ما يعبر عن المستوى الذي وصلت إليه البلاد، فقد تعرّض 106 صحافيين للاعتداء من جهات غير حكومية، منذ انتفاضة 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019 وحتى مارس/آذار 2021، وفقاً لمركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية (سكايز)، في مؤسسة سمير قصير. وعلى الرغم من توثيق معظم هذه الاعتداءات، فإن مرتكبيها أفلتوا من المحاسبة.

تختصر الباحثة في مؤسسة سمير قصير، وداد جربوع، في حديثها لـ"العربي الجديد"، فترة رئاسة ميشال عون بأنها "عهد قمع حرية الرأي والتعبير وكمّ الأفواه"، إذ وثّق مركز سكايز أكثر من 800 انتهاك في المجالين الثقافي والإعلامي، من 31 أكتوبر/تشرين الأول 2016 حتى 31 أكتوبر الحالي، تاريخ انتهاء ولايته. هذه الانتهاكات تنوعت، وفقاً لجربوع، بين اغتيال، وهجوم مسلّح على الممتلكات الإعلامية، واعتداءات على الصحافيين والناشطين سواء من جهات رسمية أو غير رسمية، واستدعاءات طاولت صحافيين وناشطين على خلفية تعبيرهم عن آرائهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ورصدت رقابة رسمية وغير رسمية على الأعمال الثقافية مع منع نشاطات خاصة بمجتمع الميم عين، وحجب محتوى إلكتروني، وصدور أحكام بالسجن بحق صحافيين، وإصدار أحكام من محاكم غير مختصة كالمحكمة العسكرية، إضافة إلى استخدام القوّة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين والناشطين خلال التظاهرات، ومحاكمة العشرات أمام المحاكم العسكرية.

وتتوقف جربوع عند مؤشر إضافي على عهد الانتهاكات والقمع، وهو تراجع لبنان في التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود، إذ حلّ هذا العام في المرتبة 130 من أصل 180 دولة، بعدما كان عام 2016 في المرتبة 98. وتلفت إلى أن الدولة اللبنانية امتنعت عن التوقيع على البيان الختامي للاجتماع الوزاري الصادر عن المؤتمر العالمي الثاني لحرية الإعلام الذي استضافته كندا وبوتسوانا، في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

ومن النقاط الأساسية التي تتوقف عندها جربوع أيضاً التعرّض لمقام رئاسة الجمهورية، إذ إن عدداً كبيراً من الصحافيين والناشطين والمواطنين استدعتهم مخابرات الجيش والأمن العام وشعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي ومكتب مكافحة جرائم المعلوماتية والنيابات العامة، بسبب منشورات انتقدوا فيها رئيس الجمهورية أو موقع الرئاسة، ورصدت اعتقالات امتدت من 3 وصولاً إلى 41 يوماً، في حين أن أبرز التجاوزات التي حصلت في هذا الإطار إجبار هؤلاء على مسح وإزالة المنشورات والتوقيع على تعهدات غير قانونية بعدم التعرّض لشخص الرئيس أو عددٍ من المسؤولين الذين كانوا وراء الشكاوى. وتقول جربوع: "رصدت 5 انتهاكات من استدعاء واستجواب أو احتجاز على خلفية التعرض لمقام رئاسة الجمهورية في عهد ميشال سليمان (2008 – 2014)، مقارنة بـ29 انتهاكاً في عهد عون". وتضيف: "صحيح أن عون لا يتحمّل وحده المسؤولية، ولكن كونه رئيساً تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة"، وتلفت إلى أنه "لم تحُاسَب أي جهة معتدية كل هذه الفترة".

رئيس تحرير صحيفة نداء الوطن اللبنانية، بشارة شربل، مثل أمام القضاء اللبناني بتهمة المس بكرامة الرؤساء والقدح والذم، على خلفية مقال عنوانه "سفراء جدد في بعبدا... أهلاً بكم في جمهورية خامنئي" نشر في سبتمبر/أيلول 2019. ويقول لـ"العربي الجديد": "ربحنا على درجتين في الدعوى التي أقيمت ضدنا من جانب رئيس الجمهورية ميشال عون، بالاستئناف والتمييز، وهذا دليلٌ على أن مجتمعنا راكم قدرة على مقاومة الاعتداء على الحريات".

ويضيف: "ليس صدفة أنه في عزّ عهد عون، وقبل ثورة 17 أكتوبر، وحين كانت سلطته مستشرسة ومتسلّحة بقوّتها السياسية وقوّة الأجهزة وتحالفاتها، لم تستطع بحدود معينة تكريس نهج انتهاك الحريات (...) مجتمعنا له تاريخ طويل في الدفاع عن الحريات منذ أكثر من مائة عام، ولا أعتقد أن أي سلطة مقبلة قادرة على أن تبالغ في محاولة كمّ أفواه الصحافيين". ويلفت إلى أن "محاولات كثيرة جرت في عهد عون لقمع الحريات ومنها عبر الملاحقات، ولكن المحاولات الأصعب هي التي لا تعلن، وتتمثل في الضغوط التي تمارسها قوى الأمر الواقع على الصحافيين حتى يمارسوا رقابة ذاتية وقمعاً داخلياً".

لكن المنسقة العامة في تجمع نقابة الصحافة البديلة، إلسي مفرّج، ترى أن "التراجع على مستوى الحريات لا يمكن ربطه بفترة زمنية، إذ إن الانهيار الذي حصل خلال السنوات الـ6 الماضية هو نتيجة سياسات تراكمية من حكومات تعاقبت على مدى 30 عاماً". وتضيف مفرّج لـ"العربي الجديد": "لمسنا الاعتقالات والقمع المباشر في الميدان، والانتهاكات الكبيرة من قبل الأجهزة الأمنية والمليشيات الحزبية وبلطجية الأحزاب، وسط تفرّج السلطة، كما واستدعاءات الصحافيين والناشطين. وخلال الفترة الماضية أيضاً اغتيل لقمان سليم، ومرّت الجريمة من دون محاسبة أو أي تحقيق جدي، ما أثّر على مستوى الحريات وأدى إلى تراجع تصنيف لبنان عالمياً".

وتلفت مفرّج إلى تعرّض الصحافيين والناشطين لاعتداءات خلال فترة الانتخابات النيابية، وفي محطات عدة سياسية واستحقاقات اقتصادية وتشريعية، كما وبعد انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020. وتقول: "في ظل غياب أي جسم نقابي يحمي الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، سواء من الانتهاكات، أو الاستدعاءات، أو الطرد التعسفي بحجة الأزمة الاقتصادية، عملنا على إنشاء تجمع نقابة الصحافة البديلة لإيصال صوتنا العالي. وللأسف، حاولت نقابة المحررين قمعنا، ورفعت دعوى على التجمع، وطالبت بمنعه من مزاولة أي نشاط. ومع ذلك، رأينا نقيب المحررين جوزف القصيفي مكرماً في قصر بعبدا بوسام من سلة الأوسمة التي منحها رئيس الجمهورية قبل مغادرته مقره الرئاسي".

وكان للمؤسسات الإعلامية في لبنان حصّتها من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي ضربت البلاد في عهد عون، فتأثرت كثيراً بأزمة المحروقات والكهرباء وانقطاع الإنترنت والاتصالات، ما دفعها إلى اتخاذ إجراءات استثنائية وتدابير صعّبت عمل الصحافيين وأنهكتهم. وعانى الصحافيون، وتحديداً العاملين في القطاع الإعلامي الرسمي، من انهيار قيمة العملة المحلية أمام الدولار الأميركي، وتدهورت قيمة رواتبهم، ما دفعهم إلى تنفيذ جملة إضرابات، شملت تلفزيون لبنان الرسمي، والوكالة الوطنية للإعلام للمرة الأولى في تاريخها. وتعرض صحافيون للصرف التعسفي، علماً أن السنوات الماضية شهدت توقف صحف وقنوات تلفزيونية وإغلاق مواقع إخبارية إلكترونية عدة، من بينها صحيفة السفير عام 2016، وصحيفتا الأنوار والحياة عام 2018، وصحيفة المستقبل عام 2019، ثم تلفزيون المستقبل في العام نفسه، وصحيفة ديلي ستار وإذاعة راديو وان الناطقتان بالإنكليزية.

المساهمون