4 تجارب أردنية... فنانون من خارج المنهج

02 اغسطس 2021
المغني الأردني محمد النابلسي (المكتب الإعلامي)
+ الخط -

رغم بعض التجارب الفردية الناجحة، يعاني الغناء الأردني من أزمة انتشار في العالم العربي، في ظل سيطرة واضحة للأغاني اللبنانية، والمصرية، والخليجية، والمغاربية. والسبب الواضح هو غياب المقومات التي تستطيع صناعة نجم، وصناعة أغانٍ تحقق شعبية عابرة للحدود المحلية. إذ حتى الساعة لا يعرف الجمهور العربي سوى بعض الأسماء التي اكتسبت شهرتها إثر مشاركتها في برامج المواهب العربية مثل ديانا كرازون، ونداء شرارة.
لكن حالياً، وفي ظل انتشار مواقع التواصل الإجتماعي وتأثيرها الكبير، وسهولة استخدام الناس لها، وإطلاق إنتاجاتهم من خلالها، قررت مجموعة من الفنانين الأردنيين التغريد خارج سرب الإنتاج الفني التقليدي، عبر استثمار مواقع التواصل في طرح أعمالهم للجمهور مخاطرين بتقديم تجارب فنية مختلفة عن السائد، ومدركين أن أفكارهم التي يعملون عليها جمهورها قليل لكنه يبحث عن فن مختلف. 
في جعبة هيفاء كمال، وكارولين ماضي، وخالد مصطفى ومحمد النابلسي، أفكار موسيقية تحمل أحلامهم وطموحاتهم ونظرتهم للفن بطريقتهم. 
"العربي الجديد" التقت هؤلاء سائلة كلّ منهم عن مشروعه.

هيفاء كمال... إلى قرطبة
تسعى الفنانة هيفاء كمال في ألبومها "إلى قرطبة" الذي قدمته أخيراً بالتعاون مع فرقة  "أبيدر" المتخصصة بموسيقى الفلامنكو الإسبانية، إلى الخروج من دائرة تصنيفها في قالب معيّن من الانتاج الموسيقي، حيث تحاول تقديم ما يرغب به الجمهور الشاب في الوقت الحالي بشرط تنفيذه "بأعلى جودة موسيقياً وتقنياً، عبر نصوص شعرية صوفية الهوى"، كما تشرح لـ"العربي الجديد".
يتضمن الألبوم الذي طرح عبر مواقع التواصل الإجتماعي ثلاث أغنيات، هي: "شمس النهار" من كلمات شاعر العصر المملوكي صفي الدين الحلي، و"عصف الهوى" من كلمات الشاعرة السورية المعاصرة سُميّا صالح، و"إن كنْتَ" من أشعار نيقولا الصائغ الحلبي وهو شاعر وقسيس من القرن الثامن عشر. أما موسيقى الأغنيات فهي من تأليف وتوزيع موسيقي لفرقة "أُبيدر"، وقام ألفارو يانوس عازف البيس غيتار في الفرقة بتلحين وتوزيع أغنية "إن كنْتَ". تقول كمال: "أعلم أنني أقدم فناً مختلفاً عما تريده شركات الإنتاج ومعظم الجمهور، لكنني أسعى للتجديد الفني والموسيقي، وأدرك وجود شريحة كبيرة تهتم باللون الذي أقدمه، وهذا ما ألمسه شخصياً من ردود فعل الجمهور عبر مواقع التواصل الإجتماعي، ومن خلال المقابلات التلفزيونية أو الحفلات". تفضل هيفاء الإنتاج المستقل على الرغم من التكلفة العالية والوقت الطويل لإنجاز الأعمال وفق أعلى مستوى، وتشرح: "أخوض دائماً مغامرة تقديم الفن المختلف والذي يرقى بروح من يستمع إليه، وأشعر بذاتي تحلق فيما أغنيه. أدرك أنني أتوجه إلى شريحة معينة، لكن ما يعنيني هو الأثر الذي يتحقق عند من يسمع".


في أرشيف كمال، العديد من الأعمال الفنية المتنوعة، فابنة الفنان كمال خليل انطلقت إلى الفن من فرقة "بلدنا" الفلسطينية، وشاركت في مشاريع موسيقية عدة مع فرقة "رم" للموسيقي طارق الناصر، وفرقة عمان للموسيقى العربية وأوركسترا المعهد الوطني للموسيقى،  قبل أن تبدأ مشوارها الفني الخاص عام 2014 بإصدار ألبومها الأول "دِنيا"، وقامت خلال السنوات الماضية بغناء شارات مسلسلات درامية، مثل: "ليس سراباً"، و"وش رجّعك"، و"الأسوار"، و"سمرقند".

كارولين ماضي... الحب لا يخفى
تجربة هيفاء كمال في تقديم الغناء الصوفي، سبقتها إليها الفنانة كارولين ماضي التي قدمت قبل 6 سنوات ألبوماً بسبع أغنيات من أشعار الشيخ الصوفي السوداني النيل عبد القادر أبوقرون، بعنوان "الحب لا يخفى" ولحنه موسيقياً والد كارولين، الفنان مالك ماضي ووزع أغانيه محمد القيسي، وخاشيك آدم، والفنان محمد بشناق.
عن هذا الألبوم تقول ماضي: "قصدت في تلك التجربة تأسيس حالة فنية لتعميمها على الجمهور. أذكر أن الألبوم وجد ترحيباً من النقاد ووسائل الإعلام والجمهور الذي حضر بعض الحفلات التي أقمتها في دول عربية عدة للتعريف بالفكرة، لكن تقديم فن مختلف عن السائد جماهيرياً بقدر ما هو ممتع، إلا أنه يعد مخاطرة في ظل عزوف شركات الإنتاج عن تبني هذا النوع من الغناء، والاستمرارية تحتاج لمنتج واع يقدر هذا النوع من الفن".
تستعيد ماضي ذكريات تجربتها في الغناء الصوفي بالقول: "أقمنا ورشة عمل جماعية، كان هدفها فهم النصوص والانحياز إلى الجمال الكامل في النفس، وعندما سجلت الأغنيات بصوتي، شعرت بقرب هذا الغناء من روحي كوني استشعرته في أعماقي وغنيته بكل شغف".


تود ماضي التي تستقر الآن في جنوب لبنان بعدما تزوجت، لتكرار التجربة في حال أتيحت لها الفرصة مجدداً، وتضيف: "التحضير لهذا الغناء يحتاج إلى تفرغ ذهني بالدرجة الأولى، أرغب بتكرار التجربة، وأعلم أن الأمر ليس سهلاً لكنني مستعدة، كما أن أغنياتي التي قدمتها في ألبومي "عشقتك" و"شهرزاد ترحل الى الغرب"، فيهما من روح الغناء الصوفي الكثير، وخاصة أن الوصول إلى الجمهور صار أسهل في ظل توفر مواقع التواصل الإجتماعي، ووجود جمهور متحمس لهذا الغناء". 

خالد مصطفى... مهاجر هجري
يجد الموزع الموسيقي خالد مصطفى أن جيل اليوم من الشباب والمراهقين يبتعد عن الغناء العربي، ويفضل عبر أجهزتهم الذكية الانجرار وراء موسيقى الهاوس والجاز والراب، متعلقا بما يسمعه من "إلكترونيك ميوزك". لذا قرر أن يقدم مشروعاً فنياً يحاور هذا الجيل بالموسيقى التي يفضلها لكن بكلمات عربية صرفة. يشرح مصطفى الفكرة قائلاً: "أطلقت مع صديقي المغني محمد بشار مشروعاً موسيقياً بعنوان "مهاجر هجري"، لجأنا فيه إلى الأشعار الفصحى التي يمتلئ بها تاريخنا العربي، منذ العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام والعصر الأندلسي والعباسي والأموي، وقمنا بتلحينها موسيقياً بإسلوب "إلكترونيك ميوزك"، بهدف أن تحل أغاني هذا المشروع تدريجياً عند الجيل الشاب مكان الأغاني الأجنبية، راغبين بإيصال المفردات العربية السليمة، وبنفس الوقت تحمل الموسيقى التي يفضلها جيل اليوم". 


يقول مصطفى الذي حاز على جائزة الدولة التشجيعية التي تقدمها وزارة الثقافة الأردنية عام 2020 عن مشروعه، "أعلم أن الفكرة غريبة بعض الشيء، لكنني مصمم على مواصلة المشوار حتى النهاية، صحيح أننا في المشروع نصفق لوحدنا من دون شركة إنتاج، لكن حجم التفاعل الذي أجده، يدفعني للإصرار على تقديم المزيد في هذا المشروع الذي ينقل من يستمع إليه عبر الزمن، ليطربه بكلمات تحاور حنينه وعشقه وألمه، ونحن نستثمر مواقع التواصل الإجتماعي بالدرجة الأولى للتعريف بأعمالنا". قدم مشروع "مهاجر هجري" الغنائي إلى الآن أربعة أعمال، هي: "يا كل كلي"، و"قولوا لها"، و"ذاك الهوى"، و"أغار عليك"، قدمها الفنان محمد بشار بصوته، وشاركته غناء "أغار عليك" الفنانة فرح أبو سيف.

محمد النابلسي... ولّ يا حرامك
يعوّل الفنان محمد النابلسي على خبرته التي اكتسبها في الساحة الفنية الأردنية، لتقديم منجزه الفني الذي يعمل عليه حالياً بهدف إيصال الأغنية الأردنية إلى الجمهور العربي. يقول النابلسي: "للأسف هوية أغنيتنا الأردنية غير محددة، كما أنها تتعرض أحياناً للسطو من مغنين عرب، فالأغنيات العربية التي تحمل مصطلح "أغنية بيضاء" هي أساساً تُغنى باللهجة الأردنية، لذلك قررت إطلاق مشروع فني بعنوان "لهجتي فن" أسعى فيه إلى المزاوجة بين اللهجة الأردنية المحكية وإيقاعات موسيقية عربية ويمكن مستقبلاً أن تكون عالمية، فالهدف تقديم الأغنية الأردنية بمفهوم بسيط وبنكهة عربية، اعتماداً على اللهجة التي يتداولها الناس في ما بينهم وهي أقرب ما تكون للهجة البيضاء، حيث سأقدم كل الأغنيات بمفردات لغوية بسيطة نستخدمها بشكل يومي".
أولى أغنيات المشروع حملت عنوان "ولّ يا حرامك"، كتب كلماتها الشاعر طارق شخاترة، ولحنها ووزعها موسيقياً عامر محمد، وقام بالهندسة الصوتية للأغنية الفنان بهاء الداوود في "دوزان" استوديو. يؤكد النابلسي أنه يقدم هذه الفكرة عبر الأغاني، كون الأغنية أسرع وسيلة لنشر أي لهجة كانت، ويضيف: "اللهجة الأردنية مفهومة في كل أرجاء العالم العربي، ولم يتم توظيفها بشكل كبير في الأغاني، وأريد أن يكون مشروع "لهجتي فن"، بوابة جديدة لانتشار الأغنية الأردنية، بأسلوب جديد، إذ يمكن أن أقدم اللهجة الأردنية مستقبلاً بألحان فلكلورية، وبألحان مصرية أو عراقية أو خليجية أو حتى من المغرب العربي".


يتساءل النابلسي عن شكل الأغنية التي يفضلها الجمهور بالقول: "ما المانع من أن يرقص جيل الشباب على موسيقى الهاوس والجاز والراب، بكلمات أردنية مفهومة عربياً؟، أريد أن أساهم في انتشار الأغنية الأردنية بطريقتي وأسلوبي اللذين أتمنى أن أجد من يدعمني فيهما، أنا ابن عصر التكنولوجيا والسرعة ومنصات التواصل الاجتماعي، سأحافظ على أصالة المفردة الأردنية، وأمزجها بالموسيقى الفلكلورية من جهة وبالحديثة والمتطورة من جهة أخرى، حتى تصل أغنياتي إلى أسماع جيل الشباب الذي تعجبه أغنيات الـ"إلكترونيك ميوزك"".

ناجحون باختلافهم
يجد الملحن والموزع الموسيقي وائل الشرقاوي، توجه بعض الفنانين الأردنيين إلى تقديم أنماط وأشكال موسيقية جديدة أمراً صحياً، معلقاً: "كل فنان يعرف مكامن نجاحه، سيكون ذكياً إن استثمرها في تقديم فن يصل للجمهور، ليس جديداً أن يسعى الفنان لتغيير جلده الفني، بل الجديد أن يختار منطقة إبداعيه غير مطروقة ليثبت نفسه بها".

يؤكد الشرقاوي أهمية هذه التجارب الفنية ويصفها بالناجحة في الوصول للجمهور، وبين: "الساحة الفنية الأردنية صغيرة، لذا كل الإنتاجات التي يقدمها المشتغلون بها ستظهر للعلن إن أحبها الناس وهذا ما ألمسه شخصياً في مشاريع هؤلاء الفنانين، وشخصياً أثني على توجههم الفني وأشجعهم على الاستمرار فيه، فتقديم فن مختلف عن السائد هو نجاح، والنجاح الأكبر هو أن يحبه الجمهور، وهذا ما يحدث فعلاً". ويتفق الكاتب الصحافي طلعت شناعة مع ما ذهب إليه الشرقاوي، مضيفاً: "جميعنا ندرك أن عدم وجود شركات إنتاج فنية وشركات علاقات عامة تسوق للمنتج الفني الأردني، يشكل عائقاً أمام وصول الأغنية الأردنية إلى العالم العربي. التجارب التي يقدمها هيفاء كمال، وكارولين ماضي، وخالد مصطفى، محمد النابلسي مهمة ويمكن البناء عليها، رغم أن جمهور هذا النوع من الفن نخبوي، لكن ما يفعلونه يؤسس لمرحلة فنية مهمة على الصعيد الأردني بداية، وهوما قد يلفت أنظار شركات إنتاج عربية لاحقاً، لدعم هذه التجارب التي سيبقى نجاحها مرهوناً بقدرة أصحابها على استثمار مواقع التواصل الإجتماعي في تسويق أعمالهم".

دلالات
المساهمون