3 حكايات لـ"حمام ساخن": سرد مبسّط وجماليات عادية

20 اغسطس 2021
"حمام ساخن": صُور تروي انفعالات وأهواء وتفاصيل (الملف الصحافي)
+ الخط -

تحضر "ثورة 25 يناير" (2011) المصرية، مُجدّداً، في سينما محلية، يُراد لها مزيد من التنقيب والسرد البصريين في وقائعها ويومياتها وتفاصيلها الفردية: "حمام ساخن" (2021، 77 د.) لمنال خالد، منتجته ومخرجته، وكاتبة سيناريو وحوار حكايته الأولى، فللفيلم 3 حكايات (رشا عزب كاتبة الحكايتين الثانية والثالثة)، تصنع كلّ واحدة منها فيلماً قصيراً، مستقلاً بحدّ ذاته.

"ثورة 25 يناير" مستمرّة في جذب اهتمام مُشاركين ومُشاركات فيها، فـ"حمام ساخن" مستوحى من "قصص حقيقية لأشخاصٍ من ملايين الثوار"، منهم مخرجته أيضاً، بحسب التقديم المكتوب في بدايته. استمرار يُفسَّر بكون الثورة لحظة تاريخية فاعلة ومؤثّرة، إلى حدّ كبير، في وجدان أناسٍ وأرواحهم وتفكيرهم وانفعالاتهم، "تمرّدوا ضد أعوام من القهر واللامساواة"، كما في التقديم نفسه، الذي يُشير إلى أنّ أحداثه حاصلة في الأيام الأولى من الثورة.

جاذبية "ثورة 25 يناير" منبثقةٌ من ندرة الاشتغال السينمائي عليها، رغم أفلامٍ عدّة، غالبيتها وثائقية، تؤرّخ اللحظة، وتوثِّق الهوامش كالمتن، وتروي حكايات أفرادٍ يخوضونها فيواجهون آلة قتل شرسة في دفاعها عن نظامٍ، يستحيل سحقه لشدّة بطشه. "حمام ساخن" غير مدّعٍ، وغير موارِب، وغير معنيّ بأكثر من سرد مبسّط لحكايات شابات قليلاتٍ، بعضهنّ متزوّج، يخضن مواجهات دامية مع رجال أمن، يُطاردونهنّ، وعندما يتمكّنون من إلقاء القبض على بعضهنّ، يحبسون البعض في "حمام للنساء"، كما في الحكاية الثالثة، الخاضع لإدارة صارمة من سيدة مرتبطة بعلاقات مع قوى نافذة، ومعها شابّة تنفتح سريعاً على الشابتين الأسيرتين.

والثورة، إذْ تُعطَّل سريعاً بالأمن والعسكر، يُفترض بها أنْ تُحرِّض دائماً على قراءة كلّ ما يتعلّق بها، كتابةً وتحليلاً وتفكيكاً وفنّاً، والسينما أقدر الفنون على قراءة كهذه. "حمام ساخن" يندرج في المطلوب، إذْ يستعيد لحظاتٍ أولى من ثورةٍ، تؤرِّخ انقلاباً في مسار بلدٍ وشعبٍ واجتماعٍ، باحثاً فيها عن حميمية الانفعال وبراءة المُشاركة وجمال الأحلام، المتهاوية لاحقاً بضربات قاضية. منال خالد غير معنيّة باللاحق، بل باللحظات الأولى، بما فيها من عفوية وبهاء ونقاء وحماسة، تواجَه كلّها ببطشٍ ومطاردة وتنكيل، والفيلم غير كاشفٍ للبطش والمطاردة والتنكيل مباشرةً، لمواربته الجمالية في قراءة الحميميّ، من خلال حكايات شابّات، يُعتبرن نموذجاً من "ملايين الثوار".

يكتفي "حمام ساخن" بسرد مبسّط ومتماسك لتلك الحكايات، رغم انفضاضه على كلّ رابطٍ بينها، باستثناء زمن حدوثها (ليلة واحدة، لعلّها الليلة الأولى أو الثانية بعد انطلاقة الثورة)، واعتمادها على شابّات لكشف شيءٍ من وقائعها، والتزامها جماليات عادية في مواكبة مسارات الحكايات وشخصياتها الأساسية والهامشية، في إضاءةٍ متواضعة لتلك اللحظة وحيّزها وفضائها وتفاصيلها الهامشية.

 

 

أما الحكايات، فتكشف روابط وتناقضات بين الشابات، في علاقاتهنّ بأنفسهنّ وببعضهن البعض، كما بأحوال البلد وارتباكاته والغليان الذي فيه، عند اندلاع الثورة. سؤال الطائفة (الحكاية الأولى) لن تكون له إجابة غير ابتسامةٍ، تعكس شيئاً من نقاء الثورة وطهارتها. التواصل عبر نافذة باب مدخل المنزل، بين امرأة مختبئة من وحشية رجال الأمن، والفتاة الصغيرة في المنزل، التي تنتظر عودة أمّها من "الخارج"، يُشير إلى أولوية انكسار الحواجز بين الأجيال، عبر لغة القلب والتأمّل. الحجاب والتحرّر، اللذان يسمان الشابتين "السجينتين" في الحمام النسائي، يُراد لهما أنْ يؤكِّدا على انعدام الفوارق في لحظة تجلٍّ شعبي، يتمثّل بانقلابٍ عفوي ومدني وسلمي على بطشٍ وقمعٍ وفساد.

هذا بعض ما في "حمام ساخن" لمنال خالد. ثنائية الحجاب والتحرّر، في الحكاية الثالثة، تبدو "كليشيه"، رغم أهميتها، تماماً كانعدام الإجابة عن طائفة الشابّة الأم في الحكاية الأولى. العلاقة بالابنة صغيرة السنّ، عبر نافذة باب المدخل، صادقة وبسيطة، وتحمل في طياتها شيئاً من بؤسٍ يعتمل في اجتماعٍ، يريد تحطيم الحواجز في لحظة انقلابٍ مغدور. ورغم أنّ المشهد عاديّ وواقعيّ، إذْ تمنع الام ابنتها من فتح الباب لأي أحد، فتُعوِّض الابنة هذا المنع بفتح النافذة، يبقى التواصل المذكور انعكاساً لحالةٍ اجتماعية حاضرة في الواقع والوجدان. ما يحصل في الحمام النسائي، كلاماً وتصرّفاتٍ ومواقف وانفعالاتٍ ورغباتٍ، رغم تبسيطه أحياناً واشتغاله السينمائي العادي أحياناً أخرى، أساسيّ في الاجتماع المصري نفسه، إنْ في تلك اللحظة التاريخية الموؤودة، أو في اللحظات الأخرى كلّها.

النصوص مُترجمة إلى صُور (لكل حكاية مدير تصوير: محمود لطفي وطارق حفني وزبغنياف ربْجينسكي)، تتّخذ من ملامح الشابات وحركاتهنّ ونبراتهنّ وكلامهنّ وأجسادهنّ وملابسهنّ، منافذ للبوح وانكشاف بعض الذات والروح أمام كاميرا، تغوص في جوانب كلّ شابّة (إنْ تكن الشخصية أساسية أو مساندة)، ترى في "ثورة 25 يناير" امتداداً، أو بعض امتدادٍ لها، أو ربما لن ترى هذا فيها.

المساهمون