مع استمرار المعارك في السودان، بين الجيش بقيادة رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي"، تتوسّع رقعة الاعتداء على الصحافيين، الذين باتوا شبه عاجزين عن العمل وتغطية التطورات في ظروف مهنية.
وقد حذّرت منظمة مراسلون بلا حدود (مقرها باريس) من تواصل الاعتداءات على الصحافيين. إذ أشارت إلى استهداف الصحافيين السودانيين بشكل متعمد من قبل الفصيلين المتنافسين "اللذين يتقاتلان فيما بينهما منذ أكثر من ثلاثة أشهر للاستفراد بالسلطة في البلاد. وإذ تدين مراسلون بلا حدود ما يطاول الفاعلين الإعلاميين من عنف واعتقالات تعسفية، فإنها تطالب بأن تصبح حمايتهم أولوية بالنسبة للأطراف المتنازعة"، وفق ما جاء في بيان للمنظمة.
وتتنوع أشكال الاعتداءات على الصحافيين السودانيين، والعاملين في مجال الإعلام بين الاعتداءات الجسدية، ومصادرة المعدات، والاعتقالات التعسفية، والغارات الجوية على قوافل طواقم إعلامية يُمكن التعرف عليها بسهولة.
وتطاول هذه الاعتداءات مختلف المؤسسات ومختلف الصحافيين، كما تشير نقابة الصحافيين السودانيين التي تعمل على توثيق الانتهاكات التي تصاعدت بشكل كبير في ثالث أشهر المعارك، أي يونيو/حزيران الماضي، بالتوازي مع تراجع اهتمام الرأي العام العالمي بما يحصل في الخرطوم وباقي مدن السودان.
وأشار بيان "مراسلون بلا حدود" إلى أنه "لا يَسلَم أي صحافي أو منبر إعلامي أو مقر مؤسسة إعلامية من اعتداءات الطرفين المتنازعين، حيث سُجلت منذ بداية الصراع هجمات على مباني الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في أم درمان، ثاني أكبر مدن البلاد من حيث عدد السكان، والتي كانت ولا تزال مسرحاً للاقتتال بين الفصائل المسلحة المتناحرة".
وكانت المخابرات العسكرية قد أقدمت على اعتقال الصحافية خالدة اللقاني ومصور كان يرافقها واستجوبتهما لمدة أربع ساعات، بعدما كانا بصدد إجراء مقابلات مع سودانيين تقطعت بهم السبل عند معبر أرجين الحدودي بالقرب من مصر. وفي مطلع شهر يونيو الماضي، تعرّض أيضاً الصحافي المستقل علي جودة للاعتقال والضرب لمدة ساعتين على أيدي عناصر من المخابرات العسكرية، وفق تقرير خاص بالمنظمة.
وكانت نقابة الصحافيين السودانيين قد أمدّت "مراسلون بلا حدود" بتقرير شامل عن الاعتداءات على الصحافيين، علما أن أعضاءها أنفسهم يتعرضون لتهديدات وانتهاكات بسبب عملهم النقابي. والمثال الأبرز على ذلك كان نشر صور للصحافيَين المستقلَّين فيصل محمد صالح وزهير السراج في شوارع العاصمة الخرطوم، مصحوبة بدعوات بالقتل، وهما عضوَان في النقابة. وجاءت هذه الخطوة بعدما دعيا إلى الحوار ووقف الاقتتال. ورأت النقابة أن هذه الخطوة تضع حياة الصحافيين "على المحك، في بيئة تشهد استقطاباً حاداً ضد المدنيين المنادين بضرورة إيقاف الحرب". وحذرت النقابة "من استهداف الصحافيين والمدنيين والتحريض ضدهم، في وقت تشهد فيه البلاد قتلاً مجانياً بفعل الحرب؛ حيث يقتل المواطنون في منازلهم وفي الشوارع ومن دون أي مبررات سوى تواجدهم داخل مناطق الاشتباك".
ومن ضمن تصاعد وتيرة الانتهاكات في شهري يونيو الماضي ويوليو الحالي تعرّض الصحافي صلاح دامبا لهجوم في منطقة الجبلين (جنوبي البلاد) على أيدي قوات مسلحة لم تحدد هويتها بسبب اللّبس الذي يلف النزاع، علماً أن الاعتداء انتهى بمصادرة جواز سفر الصحافي المستقل. وفي دارفور، حيث تتصاعد وتيرة القتال بين مختلف الفصائل المسلّحة، تتعدد حالات انتهاك حقوق المدنيين، بينما بات وضع الصحافيين يلفه الغموض بشكل خاص، كما أصبح من الصعب تلقّي معلومات من هذه المنطقة بعد قطع كل سبل الاتصال فيها، وفق ما تقول "مراسلون بلا حدود".
أمام هذا الواقع الذي تفاقم وتدهور في الأسابيع الأخيرة، غادر عدد كبير من الصحافيين مناطقهم، ومنهم من غادر البلاد نحو الدول المحيطة، خصوصاً مصر. لكن طلبات دخول بعضهم إلى الأراضي المصرية رفضت، كما كانت حال الصحافي مواهب إبراهيم، عضو المجلس التنفيذي لنقابة الصحافيين السودانيين، الذي رُفضت طلباته للحصول على تأشيرة دخول إلى كل من السعودية ومصر، دون أي مبرر يُذكر، فبقي عالقاً داخل السودان.