- تهدف "يوروفيجن" منذ بدايتها لتعزيز السلام والتفاهم، لكن السياسة تخللت المسابقة عبر السنين، مثل استبعاد روسيا والجدل حول مشاركة إسرائيل.
- النسخة الحالية تبرز السياسة من خلال احتجاجات ضد إسرائيل وظهور رمزي للفنان السويدي من أصل فلسطيني، مع التأكيد على أن الموسيقى تجمع التنوع الثقافي والسياسي تحت سقف واحد.
تعود نهائيات النسخة 2024 من "يوروفيجن"، أكبر مسابقة موسيقية في العالم، في مالمو السويدية اليوم السبت، في ظروف متوترة تشمل احتجاجات واسعة ضد مشاركة إسرائيل في المسابقة، وغياب روسيا لعام آخر. وكانت 26 دولة قد تأهلت للحفلة النهائية، السبت، بينها إسرائيل، بينما ترجّح تحليلات النقاد أن تكون كرواتيا وسويسرا وأوكرانيا الأوفر حظاً في الحفل الختامي للمسابقة.
بدايات يوروفيجن
نُظمت أول نسخة من "يوروفيجن" قبل 68 سنة، وعرضت النسخة الأولى بتاريخ 24 مايو/ أيار 1956 في لوغانو السويسرية بمشاركة سبع دول فقط، هي هولندا، وسويسرا، وبلجيكا، وألمانيا، وفرنسا، ولوكسمبورغ، وإيطاليا، وهي دول حاربت بعضها بعضاً بشراسة في الحرب العالمية الثانية. كان الهدف من المسابقة هو جمع الدول المتعادية خلال الحرب معاً في منافسة فنية ودية لتعزيز التفاهم والسلام في القارة الأوروبية.
أدرجت المسابقة الديمقراطيات غير الليبرالية، مثل إسبانيا والبرتغال في الستينيات، وتركيا المسلمة في السبعينيات، والدول اليوغسلافية السابقة المتحاربة في أوائل التسعينيات، وشملت دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة، قبل عقد من انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي.
لكن السياسة أَبَت إلا أن تخترق "يوروفيجن". من أوضح الأمثلة على تدخل السياسة في المسابقة، هي تأثير العلاقات الروسية الأوكرانية على النسخات السابقة. عام 2016 فازت المغنية الأوكرانيّة، جمالا، في المسابقة بأغنية حملت عنوان "1944"، تتحدّث عن تهجير الاتحاد السوفييتي لسكان القرم من التتار إبان الحرب العالميّة الثانية. وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/ شباط 2022، منع اتحاد البث الأوروبي روسيا من المشاركة في "يوروفيجن". ومنذ ذلك الحين، قطعت هيئات البث الوطنية الروسية علاقاتها مع اتحاد البث الأوروبي، ما يعني أنها لم تعد مؤهلة للمنافسة. وجاء هذا القرار بعدما دعت محطات بث عامة أوروبية عدة إلى طرد البلاد بعد الاجتياح.
السياسة حاضرة
بينما يتهم البعض المسابقة بأنها لم تكن يوماً غير سياسية، ظهر تأثير السياسة بشكل واضح للعيان في بعض المناسبات، وأبرزها معارضة ترشيح إسبانيا لمتسابق اختار الغناء باللغة الكاتالونية، وهي اللغة التي قمعها نظام فرانسيسكو فرانكو الفاشي حينها. بدلاً من ذلك، أرسلت إسبانيا مغنية أخرى لأداء نسخة بالإسبانية والإنكليزية من أغنية بعنوان La La La. كذلك، بعد تقسيم جزيرة قبرص عام 1974، أصبحت اليونان وتركيا عدوتين. في 1976، قَطَعت تركيا البث عندما دخل اليونانيون، وبثت أغنية تركية قومية أثناء ذلك.
أما اليوم، وبينما لا تزال روسيا ممنوعة من المشاركة في المسابقة، سمح لدولة الاحتلال الإسرائيلي بالمشاركة في الدورة الحالية، رغم استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية في غزة، للشهر الثامن، مخلفة عشرات آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين، معظمهم من الأطفال والنساء، ونحو عشرة آلاف مفقود وسط دمار هائل، ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين. وسمح الاتحاد بمشاركة إسرائيل في المسابقة بالرغم من مثولها أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية.
إسرائيل هي أول دولة غير أوروبية سُمح لها بالمشاركة في "يوروفيجن" عام 1973، وهي المسابقة التي بُنيت من أجل الأوروبيين ومن أجل السلام. فازت دولة الاحتلال عام 1978 بأغنية A-Ba-Ni-Bi لأول مرة، ثم نُظمت المسابقة في القدس، وليس تل أبيب، في عام 1979، حين فازت إسرائيل بالمسابقة للمرة الثانية على التوالي. عادت المسابقة إلى القدس مجدداً عام 1999 بعدما فازت مرشحتها، أول متحولة جنسياً. وفي عام 2018، فازت إسرائيل مجدداً، فحاولت تنظيم المسابقة في القدس، لكنها فشلت ونُظمت في تل أبيب، لأن القدس المحتلة ليست "رسمياً" مدينة إسرائيلية.
في عام 2018، وقّعت شخصيات معروفة في بريطانيا رسالة تطالب "بي بي سي" بإلغاء تغطيتها لـ"يوروفيجن" بسبب إقامتها في إسرائيل. ومن الموقعين كان فيفيان ويستوود، وبيتر غابرييل، ومايك ليف. وانضمّ إلى دعوات المقاطعة أكثر من 1500 شخص وقّعوا عرائض تطالب بالمقاطعة.
لكن بعد كل المجهود الإسرائيلي، وخلال الحفل النهائي في تل أبيب 2018، رُفع العلم الفلسطيني أكثر من مرة، سواء على ظهر راقصة أثناء غناء النجمة الأميركية، مادونا، أو من ممثلي فرقة أيسلندا. هذا العام، بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تعالت الأصوات أكثر من أي وقت مضى لطرد دولة الاحتلال من "يوروفيجن". وفي نصف نهائي المسابقة قبل أيام، غنّى الفنان السويدي فلسطيني الأصل، إريك سعادة، مرتدياً كوفيةً فلسطينية حول معصمه بقيت بارزةً بوضوح طوال تأديته لأغنيته الشهيرة "بوبيلار". وأثارت حركة سعادة الرمزية غضب هيئة البث الأوروبية، وهيئة البث السويدية المنظِّمة لنسخة هذا العام.
غنّى الفنان السويدي الفلسطيني الأصل #إريك_سعادة في افتتاح "يوروفيجن" مرتدياً كوفيةً فلسطينية ممّا عرّضه للانتقاد من منظمي أشهر مسابقة غنائية أوروبية
— العربي الجديد (@alaraby_ar) May 9, 2024
تفاصيل أوفى: https://t.co/RnvrB7T8ZT pic.twitter.com/QTV1HZusIQ
بالرغم من أن المسابقة ليست شعبية جداً في العالم العربي مقارنة بدول أخرى، إلا أن العرب كان لهم حضور في المسابقة هنا وهناك. وأبرز مثال على ذلك فوز السويدية مغربية الأصل، لورين، مرتين في المسابقة، أولاً عام 2012، وثانياً العام الماضي، فبفضل فوزها تقام المسابقة هذا العام في مالمو السويدية.
الدولة العربية الوحيدة التي شاركت في المسابقة هي المغرب، ولمرة واحدة كانت عام 1980 مع سميرة سعيد، التي أدت أغنية "بطاقة حب"، وهي المرة الأولى التي أدى فيها مشارك أغنية باللغة العربية. ولأن مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الأردنية عضوة في اتحاد البث الأوروبي، فقد سبق للأردن أن بث حفلات "يوروفيجن" في مناسبات عدة في 1974 و1975 و1977 و1978. واشتهر الأردن بقطع البث عام 1978 عندما أصبح من الواضح أن إسرائيل ستفوز.