يحدث في الشيشان... موسيقى بما يتناسب مع التقاليد ومزاج الرئيس

19 ابريل 2024
العديد من الأعمال الموسيقية الشهيرة في الشيشان وروسيا لا تقع ضمن النطاق المسموح (إكس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- وزارة الثقافة في الشيشان تحظر الأعمال الموسيقية التي تتجاوز إيقاعاتها النطاق المحدد بين 80 و116 نبضة في الدقيقة للحفاظ على العادات والتقاليد، مما أثار سخرية لشموله النشيدين الوطنيين وموسيقى تراثية.
- موسى داداييف يطالب الفنانين بإعادة تلحين أعمالهم لتتوافق مع المعايير الجديدة بتوجيهات من رمضان قديروف، دون تحديد الأساس القانوني للحظر أو إذا كان يشمل الأعمال السابقة.
- رمضان قديروف يدافع عن القرار متهمًا وسائل إعلام المعارضة بتشويهه، مؤكدًا على أن القرار لا يشمل حظر النشيد الوطني الروسي ويهدف للحفاظ على الأصالة الشيشانية.

يتواصل الجدل حول قرار وزارة الثقافة في جمهورية الشيشان حظر الأعمال الموسيقية والغنائية البطيئة والسريعة، بهدف "المحافظة على العادات والتقاليد". وأثار القرار غير المسبوق سخرية واسعة، لأن تنفيذه يعني منع النشيدين الوطنيين لروسيا الاتحادية وجمهورية الشيشان، نظراً إلى أنهما بطيئان بإيقاع أقل من 80 نبضة في الدقيقة، إضافة إلى منع موسيقى "زغينكا" التراثية ذات الإيقاع السريع، بما يصل إلى 180 نبضة في الدقيقة، والتي لا يخلو عرس في منطقة القوقاز من عزفها في حلقات الرقص منذ مئات السنين.

كما يعني القرار حظر أناشيد حلقات الذكر الصوفية ذات الإيقاعات الأكثر من 120 نبضة، إضافة إلى عشرات الأغاني الوطنية والحماسية في روسيا والشيشان. وستكون حلقات الذكر الصوفية في الشيشان ممنوعة أيضاً إذا نُفذ القرار، رغم حرص الرئيس الشيشاني على المشاركة فيها في المناسبات الدينية والقومية.

في 5 إبريل/ نيسان الحالي، قال وزير الثقافة الشيشاني، موسى داداييف، أثناء اجتماع موسع مع عدد من الفنانين وقيادات محلية: "الآن يجب أن تتوافق جميع الأعمال الموسيقية والصوتية والرقصات مع إيقاع يتراوح من 80 إلى 116 نبضة في الدقيقة". وأضاف: "بتوجيهات من الرئيس رمضان قديروف، تبذل الوزارة جهداً كبيراً في مجال توافق الإنتاجات الموسيقية والغنائية، وإيقاعاتها مع الذهنية والعقلية الشيشانية". وخلص إلى أن "الثقافة الموسيقية للشيشان تنوعت من حيث الإيقاع والمنهجية، ويجب أن ننقل إلى الشعب وإلى مستقبل أطفالنا التراث الثقافي للشعب الشيشاني: العادات والتقاليد، وهي سمات الشخصية الشيشانية، التي تشمل النطاق الكامل للمعايير الأخلاقية والمعنوية للحياة".

وبحسب داداييف، يجب الآن على الفنانين إعادة تلحين أعمالهم التي لا تستوفي المعايير بحلول الأول من يونيو/ حزيران المقبل. ولم يحدد الوزير الأساس القانوني للحظر، أو هل ينطبق فقط على الموسيقى الشعبية أم على الأنواع الأخرى؟ وهل سينطبق فقط على الأعمال الجديدة أم السابقة؟

ومعلوم أن قياس إيقاع سرعة الموسيقى يتحدد بعدد النبضات (الضربات) في الدقيقة، ويشير هذا إلى عدد النوتات الربعية التي يجري تشغيلها في الدقيقة. وعادة، تكون الوتيرة من 40 إلى 200 ضربة أو أكثر في الدقيقة. والنطاق من 80 إلى 116 ضربة في الدقيقة يمثل وتيرة من معتدلة إلى سريعة. واللافت أن العديد من الأعمال الموسيقية الشهيرة في الشيشان وروسيا لا تقع ضمن النطاق المسموح الذي حدده الوزير. فالنشيد الوطني الروسي تبلغ وتيرته 76 ضربة في الدقيقة، وأغنية "يوم النصر" 126 ضربة في الدقيقة. كما أن النشيد الوطني الشيشاني الذي لُحن على كلمات أحمد قديروف، والد الرئيس الحالي، يدخل ضمن الألحان غير المسموح بها بإيقاع نحو 76 نبضة في الدقيقة.

وداداييف هو وزير الزراعة السابق. وبرأي فنانين شيشانيين، فإنه لا يفهم ما يعنيه الحدّ من إيقاع الأغنية الشعبية الشيشانية إلى 116 ضربة في الدقيقة، في حين أن الإيقاع في العديد من المؤلفات لا يمكن أن يكون أقل من 118 - 120 نبضة.

ونقل موقع كفكاز ريالي، المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية، عن أحد المطربين الذي فضل عدم ذكر اسمه، قوله: "لم يكن ينبغي لوزارة الثقافة أن تصدر أمراً بات محل سخرية وتندر للعالم أجمع". ويصف القرار بـ "المثير للسخرية" و"غبي للغاية"، موضحاً: "كيف يريدون تنفيذ قرارهم؟ وأغاني ليزغينكا (وهي موسيقى راقصة شعبية شيشانية الأصل) لديها 120 ضربة؟ أنا متأكد من أن هذه الأغاني ستختفي ببساطة من الأثير. أجد الأمر مضحكاً ومحزناً في آن واحد". وذكّر المطرب بمغنية قديروف المفضلة، ماكا ميزيفا، التي تبدأ جميع أغانيها تقريباً بـ 120 ضربة، وأغنيتها عن قديروف نفسه بإيقاع 125 ضربة في الدقيقة.

وعلى خلفية الجدل الواسع والسخرية، اضطر رئيس الشيشان رمضان قديروف إلى الدفاع عن داداييف، وشن هجوماً على وسائل إعلام المعارضة، مُتّهماً إياها بالجنون وإثارة الهستيريا وتشويه القرار الذي وصفه بأنه يتعلق "بالحفاظ على الموسيقى الوطنية الشيشانية بالإيقاع التقليدي"، ونفى عبر قناته على "تليغرام"، في 13 إبريل/نيسان الحالي، الحديث عن حظر النشيد الوطني الروسي في الشيشان. كما شدد على عدم وجود أي حظر، وخلص إلى أن "كل ما ورد (في قرار داداييف) توصية لفناني الألحان الشيشانية (وليس الأناشيد، أو ألحان الاستعراضات العسكرية، وليس أغاني القوميات الأخرى، وما إلى ذلك)، بهدف الحفاظ على التعبير الموسيقي والأصالة والخصوصية".

هذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها السلطات الشيشانية السيطرة على المجال الثقافي. عام 2019، وبخ وزير الثقافة خوجا بودي داييف الفنانين الهواة، لأن المطربين غير المحترفين يقدمون حفلات موسيقية من دون أن يكونوا عاملين ثقافيين معترفاً بهم رسمياً. وقال الوزير: "لقد أنشئ النظام: في الجمهورية هناك الأب والسلطة والقانون. ولن نسمح لأي شخص بالعبث". ودعا إلى تجنب دعوة "الأشخاص غير المرتبطين بوزارة الثقافة، والذين يتصورون أنهم فنانون" إلى أي فعاليات.

وأكدت الوزارة، حينها، أن مؤلفات كل فنان يجب أن تجري الموافقة عليها من قبل لجنة خاصة "تتأكد من أن كل ما يخرج إلى الجماهير يتوافق بشكل صارم مع العقلية الشيشانية". وبرر مراقبون القرار حينها بأنه محاولة لتحييد الفنانين ذوي الأجور القليلة نسبياً من السوق، وجعله حكراً على فناني الأداء من أوركسترا الدولة، التي تكون أجورهم في حفلات الزفاف وأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات أعلى بكثير من أجور الهواة.

وفي حقبة تولي داييف وزارة الثقافة بدأ لأول مرة الحديث عن التناقض بين الكلمات وطريقة أداء الأغاني الشيشانية. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، طُلب من مطربي الجمهورية تنسيق أغانيهم مع لجان مختلفة تابعة لوزارة الثقافة. وبعد أن قرروا تجاهل إشارات الوزير، احتجزت الشرطة في مدينة غوديرميس مطربَين شيشانيين، هما الأخوين أيوب وأسخاب فاخارغوف، وقضيا أسبوعين في السجن حيث أجريت معهما "محادثات تربوية".

واستمرت محاولات السيطرة على المجال الثقافي بعد تعيين الابنة الكبرى لرئيس الشيشان، عائشة قديروف، البالغة من العمر حينها 22 عاماً، وزيرة في عام 2020. وأثناء عملها كوزيرة، أُنشئت "لجنة مكافحة الفحش"، التي تقرر قوائم الفنانين المسموح لهم بالأداء في شمال القوقاز. ولم تكن هذه "اللجنة" مرتبطة رسمياً بوزارة الثقافة الشيشانية، لكن مراقبين أكدوا أنها لم تظهر وتمارس نشاطها من دون موافقة الوزارة.

وفي السنوات الأخيرة لم تسمح السلطات للعديد من نجوم البوب الروس بتنظيم حفلات في البلاد. كما أثر الحظر المفروض على عروض المطربين الشيشان الذين لم يرغبوا في أداء أغاني تكريم لرئيس الشيشان ووالده وأقاربه الآخرين، ومن ضمنهم المطربة الشيشانية الشابة عزيزة إيتييفا مجهولة المصير الآن بعد منعها من الغناء، والفنانة تاميلا سوغيبوفا التي طُردت من الجمهورية، كما أن المغنيات يلينا شويبوفا وخيدا خامزاتوفا وسالميرا ممنوعات من الغناء في الشيشان، فيما اختفى المغني سليم باكاييف بعد اختطافه في أغسطس/ آب 2017.

المساهمون