تحوَّلت وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان إلى ملجأ للمواطنين بحثاً عن مواد غذائية وحاجاتٍ حياتية أساسية مقطوعة من السوق، لا سيما الأدوية، بفعل الأزمة الاقتصادية والمالية، وربطاً بالتهريب والتخزين وغياب الرقابة الجدية والمساءلة الفعلية.
وإزاء حاجة الناس الماسّة إلى الدواء بشكل خاص، والتأثير السلبي الكبير على صحة المريض في حال عدم تناوله بانتظام، امتلأ، في الفترة الأخيرة، موقعا "تويتر" و"فيسبوك" بمنشوراتٍ تضمّ صور أدوية "مقطوعة" من السوق، خصوصاً المرتبطة بأمراضٍ مزمنة، يطلب ناشروها المساعدة في تأمينها والتواصل مباشرةً معهم لمعرفة كيفية الحصول عليها.
وحصدت المنشورات تفاعلاً كبيراً من قبل الناشطين الذين راحوا يسارعون إلى تأمين الأدوية بعد التواصل مع صاحب المنشور أو إعادة نشر الصور على حساباتهم لتأمين وصولها إلى أكبر عددٍ من المواطنين، ومنهم من عرض أدوية لديه ليس بحاجةٍ اليها معبّراً عن رغبته في منحها لكل شخص يبحث عنها.
وروى أكثر من شخصٍ تجربته وكيف تواصل معهم مواطنون من مختلف المناطق اللبنانية عارضين المساعدة، وتمكنوا من تأمين الأدوية لهم بسرعة وإيصالها اليهم، الأمر الذي أثَّر فيهم كثيراً وأشعرهم بأنّ "البلاد ستكون بخير بفضل أبنائها الذين يتضامنون معاً في الأزمات ويلبّون النداء فوراً لتقديم يد عون"، في وقتٍ يستمرّ المسؤولون في اتّباع سياسة النهب والهدر والفساد ويعجزون عن إدارة أي أزمة لا بل يتسببون في تفاقمها ويحصّنون التجار الذين يتلاعبون بصحة الناس ويهربون الأدوية ويتحكّمون بالسوق.
في هذا الإطار، يقول الخبير في مواقع التواصل الاجتماعي والتحقق من مدى صحة المعلومات، محمود غزيل، لـ"العربي الجديد" إن "الناس بدأت تنقل تجربة الشارع إلى الـ"أونلاين"، وهذا جزءٌ من تطوّر المحادثات بشكلٍ عام، على مختلف المنصات والتطبيقات. وقد رصدنا تفاعلاً كبيراً وواسعاً في مسألة البحث عن أدوية مقطوعة من السوق والصيدليات عبر وسائل التواصل بينما كان الشخص قديماً يسأل صديقه أو جاره، والأخير يتواصل مع معارفه وهكذا دواليك حتى تأمين الغرض المطلوب".
ويلفت غزيل إلى أنّ "غياب الدولة اللبنانية والمكننة للجهاز الصحي، جعلا المواطن يبحث عن بديلٍ، فكانت مجموعات "واتساب" و"فيسبوك" و"تويتر" التي قامت بدورٍ كبيرٍ في ظلّ أزمة الدولار والغلاء الفاحش من دون أن ننسى أزمة المحروقات، حيث إنّ غياب الترابط للأجهزة الصحية يدفع المريض إلى التنقل مسافات من منطقة إلى أخرى بحثاً عن دواء هو ليس أكيداً من أنه سيجده أصلاً، بعكس ما يحصل في الخارج حيث يمكن عند الدخول إلى صيدلية معينة لا تبيع الدواء المطلوب أن تفتش أونلاين عن صيدلية أخرى متوفر لديها وتعطيه عنوانها للذهاب فوراً اليها وتأمينه، علماً أنّ هذه الآلية موجودة في لبنان ولكن على صعيد محلات الملابس".
ويشير غزيل إلى أنّ "الموضوع قد يتطور لنصبح أمام منصّة فعلية مختصة في ملف الأدوية مثل الأطعمة، علماً أنّها أصعب وأخطر بكثير وبحاجة إلى قوانين تقرّ ويعمل بها، لتفادي استغلال حاجة الناس بحملها على دفع مبالغ طائلة للحصول على دواء، وللحفاظ على دور الطبيب والصيادلة نظراً لدقة الأدوية وتأثير تناولها الخاطئ على صحة المريض".
ويوضح غزيل أنّ "وسائل التواصل الاجتماعي باتت سيفا ذا حدين من هذه الناحية، حيث إنّ قسماً من الأطباء والصيادلة فقد دوره، وأصبحنا نرصد أشخاصاً يصفون الأدوية، ويتحدثون عن فوائد أو عوارض جانبية غالبيتها خاطئة أو كناية عن معلومات مغلوطة وزائفة، وهو ما سجل كثيراً على صعيد فيروس كورونا والأدوية المرتبطة به، فأصبح الجميع يصف الأدوية والفيتامينات واختفت الرقابة الطبية التي تحولت إلى أيدي المواطن غير المختصّ طبياً، وهنا تكمن الخطورة".
ويختم "نحن لا يمكن أن نقول للمواطن ألا يسأل عن أدوية أو يبحث عنها عبر المنصّات التي باتت ملجأ بالنسبة إليه في ظلّ انقطاع الأدوية أو النقص الذي تعاني منه، ولكن العتب على الدولة وتأخرها أيضاً في إيجاد منصّة بين الصيادلة والأطباء حتى يكون توزيع الأدوية عادلاً وخصوصاً لأشخاص مسجلين في وزارة الصحة وتؤكد بياناتهم وحالاتهم الصحية حاجتهم للأدوية".