وسائل الإعلام الحزبية تُغيب المستقلة في غزة

17 نوفمبر 2021
الواقع الاقتصادي الفلسطيني العقبة الكبرى أمام بروز إعلام مستقل (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -

تسيطر وسائل الإعلام الحزبية والفصائلية على صورة المشهد الإعلامي في فلسطين عموماً وقطاع غزة على وجه الخصوص، فيما تغيب وسائل الإعلام المستقلة عن المشهد بشكل شبه تام بمختلف أشكال وأدوات وسائل الإعلام، سواء كانت مرئية أو مسموعة أو مكتوبة.

وتمتلك الفصائل الفلسطينية في القطاع القدر الكبير من وسائل الإعلام المحسوبة عليها. فعلى الصعيد الإذاعي تمتلك حركتا حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهتان الشعبية والديمقراطية، وحتى تيار القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان إذاعات محسوبة على خطها السياسي.
           
أما على الصعيد الفضائي، فتمتلك بعض الفصائل الفلسطينية قنوات مختلفة. إلى جانب تلفزيون فلسطين الرسمي تمتلك حركة فتح قناة "عودة"، أما حركة حماس فتمتلك قناة "الأقصى"، فيما يمتلك تيار دحلان قناة "الكوفية"، في الوقت الذي تمتلك فيه حركة الجهاد الإسلامي قناتي "فلسطين اليوم" و"القدس اليوم".

وسائل الإعلام الرئيسية في فلسطين غير مستقلة

وبالتوازي مع ذلك، فإن الصحف ووسائل الإعلام الإلكترونية هي الأخرى لم تبتعد كثيراً عن سيطرة الفصائل الفلسطينية، فعمدت الفصائل في السنوات الماضية إلى تأسيس صحف إما تابعة لها بشكل واضح أو عبر شخصيات محسوبة عليها تتبنى خطاً تحريرياً يتماشى معها.

ولوّنت الفصائل الفلسطينية من خطوط المواقع الإلكترونية التابعة لها، فبين التشدد في الخطاب الإعلامي لبعض المواقع الإلكترونية إلى الانفتاح على الآخرين بشكل كبير في مواقع أخرى، فيما يبقى الخط العام تحت مظلة توجهات الفصائل الفلسطينية وآرائها.

وسط هذا الكم الكبير من وسائل الإعلام الفصائلية والحزبية، يغيب الاستثمار في المجال الإعلامي فلسطينياً إذ لم يخرج إلى العلن في السنوات الأخيرة وسائل إعلامية مملوكة لشخصيات مستقلة بشكل كامل وحقيقي، إلى جانب خروج بعض الوسائل والمؤسسات الإعلامية من السوق نتيجة للمأزق المالي.

ويلعب المشهد الاقتصادي دوراً بارزاً في غياب الاستثمار في مجال وسائل الإعلام، خصوصاً في ظل الواقع الذي يعيشه القطاع نتيجة للحصار الإسرائيلي المتواصل منذ عام 2006، وتلاحق الحروب وجولات التصعيد وعدم وجود عوائد إعلامية تدعم بقاء هذه المؤسسات.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وتنعكس السيطرة الفصائلية لوسائل الإعلام بالسلب على الصحافيين وخريجي كليات الإعلام في القطاع، نظراً لاعتماد غالبية هذه المؤسسات على الصحافيين المحسوبين على تياراتها السياسية والفصائلية وهو ما يحرم شريحة كبيرة من الحصول على فرص عمل.

ويقول نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين تحسين الأسطل إن صناعة الإعلام مكلفة بشكل كبير، ولا تستطيع جهة مستقلة في ظل الغلاء الاقتصادي تحمل ميزانيتها، خصوصاً في ظل الأوضاع المعيشية الحالية، وتحديداً في قطاع غزة الذي يعيش ظروفاً استثنائية.

ويوضح الأسطل لـ "العربي الجديد" أن التكلفة المالية الكبيرة للعمل الإعلامي جعلت حتى الفصائل والأحزاب غير قادرة على تحملها بالشكل والجودة المطلوبين، وهو ما أنشأ حالة من التراجع الواضح على صعيد العملية الإعلامية وصناعتها في السنوات الأخيرة.

التكلفة المالية الكبيرة للعمل الإعلامي جعلت حتى الفصائل والأحزاب غير قادرة على تحمّلها

وبحسب نائب نقيب الصحافيين الفلسطينيين، فإن القانون الأساسي لم يمنع الفصائل والأحزاب الفلسطينية من امتلاك وسائل إعلامية، إلا أن المطلوب هو أن تعبر هذه الوسائل عن احتياجات وهموم الجمهور الفلسطيني من أجل نجاح الرسالة الإعلامية.

وحالة التراجع في وسائل الإعلام وغياب الاستثمار في هذا المجال، وفق الأسطل، انعكس بالسلب على حجم التوظيف في المهن الصحافية والإعلامية وهو ما رفع من معدلات البطالة في صفوف خريجي الصحافة، ليجعلهم ضمن الأكثر بطالة وهو الأمر الذي يدفع للتفكير في واقع كليات الصحافة والإعلام المحلية.

وبحسب إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن معدل البطالة للأفراد بين (20 إلى 29 عاماً)، الحاصلين على مؤهل علمي في تخصص الصحافة والإعلام في فلسطين يبلغ 56 بالمائة بين الذكور والإناث. أما في قطاع غزة، فتبلغ نسبة البطالة 76.3 بالمائة. 

في موازاة ذلك، يؤكد أستاذ الإعلام في الجامعة الإسلامية في غزة، طلعت عيسى، أن ظاهرة الإعلام الفصائلي والحزبي تسيطر على الحالة الفلسطينية منذ سنوات وباتت واضحة في الفترة الأخيرة في ظل انتشار جميع أدوات الإعلام بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي.

ضعف الإعلام المستقل مادياً وعدم وجود مصادر تمويل لازمة جعلته ينحسر كثيراً في السنوات الأخيرة

ويقول عيسى لـ"العربي الجديد" إن ضعف الإعلام المستقل مادياً وعدم وجود مصادر تمويل لازمة جعلته ينحسر كثيراً في السنوات الأخيرة، حتى باتت وسائل الإعلام الرئيسية في فلسطين غير مستقلة، وإما منتمية للفصائل بشكل مباشر أو ذات توجهات حزبية.

وبحسب الأكاديمي الفلسطيني فإن الواقع الاقتصادي الفلسطيني، خصوصاً في القطاع، يعتبر العقبة الكبرى أمام بروز وسائل إعلام مستقلة قادرة على المنافسة وتقديم الرواية الكاملة للأحداث من مختلف الجوانب بشكل حيادي ومستقل وبعيداً عن الألوان الفصائلية.

ووفقاً لعيسى فإن غياب الإعلام المستقل وسيطرة الإعلام الحزبي يحد من فرص عمل الصحافيين، ويحد من قدرتهم على طرح المواضيع بشكل حيادي ومستقل إلى جانب أن الواقع الصحافي الفلسطيني غير مطمئن في ظل ندرة المؤسسات المحلية بسبب الأزمات المالية.

المساهمون