أنجزت الرسامة العراقية وجدان الماجد 30 جدارية في العاصمة العراقية بغداد، لتحول الكتل والجدران الخرسانية إلى مساحات فنية ولوحات كبيرة، للتعريف بشخصيات عراقية، بعضها شهيرة وأخرى منسية، حتى باتت أحياء، مثل الوزيرية والشارع المؤدي إلى جسر الصرافية والشواكة، مناطق تنبض بالفنون، بعد أن كانت جدران أبنيتها الكبيرة تغطيها أسلاك الكهرباء والأوساخ.
ورسمت وجدان الماجد لوحات جدارية كبيرة، ضمت أسماء عراقية مهمة، بينهم المعمارية الراحلة زها حديد، والنحات جواد سليم، والشاعران محمد مهدي الجواهري ومظفر النواب، وعالم الاجتماع العراقي علي الوردي، والشاعر الملا عبود الكرخي، والمطرب ناظم الغزالي، والشاعر الكردي عبد الله كوران.
ولم يقتصر الأمر على هذه الشخصيات العراقية، بل تعداها إلى شخصيات تنتمي إلى جنسيات أجنبية، مثل الأم تيريزا وبابلو بيكاسو، وآخرين.
في أعمالها، تبتعد الفنانة العراقية عن الغرافيتي بوصفه فعلاً احتجاجياً، مكتفيةً بنقل وجوه عراقية وأسماء بارزة. عند النظر في تلك الأعمال، نجد أنّها بورتريهات مُنجزة باحتراف، خلافاً لكثير من رسومات الجدران والغرافيتي التي تطغى عليها العشوائية في كثير من الأحيان.
تقول الماجد (49 عاماً)، وهي حاصلة على شهادة الماجستير في فنون الرسم وتدرّس في كلية الفنون الجميلة في بغداد، إن "الشعب العراقي عانى كثيراً من الحروب والحصار الاقتصادي والأزمات السياسية، حتى انعزل الحراك الفني وابتعد عن الاهتمام بالفنون، بسبب الظروف القاسية، وهو نتيجة طبيعية لسنين من الأوضاع غير الطبيعية".
تضيف الماجد، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "المعارض الفنية لم تكن أداة لتقوية علاقة الشعب العراقي بالحركة الفنية، بل بقيت محصورة بين الرسام نفسه وزملائه وطلبة الفنون وبعض المهتمين، لكن التوجه نحو الشارع والرسم على الجدران حمل نتائج ممتازة".
تشير الرسامة العراقية التي شاركت في سنوات سابقة في معارض فنية في بلدان عربية وأجنبية، منها الإمارات والأردن والكويت وإيطاليا، إلى أن "الرسم على الجدار هو علاقة أزلية مع الإنسان، وترجع إلى العصور التي كان يعيش فيها في الكهوف، لكن التطور سمح بولادة اللوحات الفنية، ثم أعادت الحرب العالمية الثانية الاهتمام بالجدران، خصوصاً أنه صار يزيد من شهرة الفنان".
وبشأن رسومها على جدران وكتل خرسانية ضخمة في بغداد، تشير إلى أنها "كانت فكرة دائرة أمانة بغداد"، فقد طلبوا منها أن ترسم شخصيات عراقية مهمة، ضمن خطة فنية وضعتها الأمانة، موضحة أنه "في البداية كان هناك استغراب من بعض المارة والعائلات القريبة، لكن بعد ذلك تغيرت وجهات النظر وصاروا يدعمون جهودي".
توضح أنها لم تحتج إلى أي قوة لتحميها أثناء الرسم في الشارع، وكانت تشتغل على لوحاتها الكبيرة وهي مطمئنة، لأنها "وسط أهلها وناسها".
وتلفت إلى أن "الرسم على الجدران الكبيرة التي تغطيها أسلاك الكهرباء كان هدفه دعم الحياة في العراق، ومواجهة الفوضى والضوضاء والإهمال". تشير إلى أن "الفكرة في البداية كانت تقتصر على الرسم بالقرب من كلية الفنون الجميلة في حي الوزيرية في بغداد، لكن بعد الضجة والاهتمام الإعلامي بهذه اللوحات، توجهنا نحو مزيدٍ من الأحياء البغدادية للرسم فيها"، معتبرة أن "الناس باتوا يحبون ما أقدم من إنتاج فني، لأنه لا يحمل روحاً فنية فقط، بل رسالة عن الشخصيات المعروفة من جهة، والمهملة في تاريخ العراق من جهة ثانية".
تكمل الرسامة حديثها، وتقول: "التفاعل والدعم مع الرسم على الجدران الكبيرة، دفعني إلى المزيد من الرسم، ووصل الأمر إلى أن تقوم عائلات عراقية بالقرب من مشغلي الفني في الشارع، يقدمون لي الأكل والمياه، حتى جاءتني عروض الرسم في المدارس، لكنني رفضت، لأنني قدمت مستوى عالياً من الرسم، ولا أستطيع النزول إلى مستوى بسيط".