تلملم الفلسطينية أمونة أبو رجيلة "أم نسيم" قطع الحطب من داخل أرضها في منطقة خزاعة شرقي مدينة خان يونس، جنوب قطاع غزة، لإعداد وجبة "الهليون" الشعبية، التي يصادف ظهورها في أراضيهم بداية فصل الربيع من كل عام.
ويتشارك مع "أم نسيم" أهالي المنطقة الشرقية في الحفاظ على الوجبة التراثية، حيث يتم استغلال شهور فصل الربيع لطهي أشتال نبتة الهليون، التي تبدأ بالنمو نهاية فصل الشتاء، حتى موعد حلول فصل الصيف، فيما يقتصر نمو أشتال النبتة "الحساسة" بين أشجار الصبار الكبيرة.
ويذيع صيت الوجبة التي تشتهر أم نسيم بطهيها، بين مزارعي المناطق الحدودية لقطاع غزة، وأهالي مناطق خزاعة والقرارة والشوكة في رفح، وهي المناطق التي تكثر فيها أشجار الصبار، فيما يستغل الأهالي فترة نموها لطهيها، بوصفها ذات قيمة غذائية وصحية عالية.
و"الهليون" صنف من أصناف النباتات الربيعية، التي تتبع الفصيلة الزنبقية، ويعتبر من أنواع النباتات المعمرة المزهرة، رفيعة السيقان، يبلغ ارتفاعها نحو مترين، لها أوراق تشبه الإبر الطويلة، وتنتج أزهاراً عنبية الشكل، حمراء الأطراف، وتنمو تلك النبتة في البراري والأماكن الجرداء وبين أشتال الصبار، وفي التربة شديدة الملوحة، لدرجة تمنع نمو الأعشاب الضارة، فيما يتم طهي الثمار مع السيقان اللينة، ويطلق عليها سُكان المناطق الشرقية لقطاع غزة اسم "الحَليون".
ويتعاون أبناء أم نسيم وبعض أبناء الجيران في الرحلة الشاقة لقطف الأشتال النادرة، والتي تتطلب السير مسافات طويلة، وذلك بعد ارتداء القفازات اللازمة للحماية من الأشواك التي تحيطها، فيما يتم الاكتفاء بالجزء العلوي اللين، تجهيزاً لسلقه وطهيه برفقة المكونات التي تُساعد على إزالة المذاق المر للنبتة.
وعن تلك الوجبة، تبين أمونة أبو رجيلة "أم نسيم" التي تعمل في مجال الزراعة أنها وجبة تقليدية تراثية، ورثها أهالي المنطقة عن آبائهم وأجدادهم، وتقول: "تعتبر من أشهى الأطباق التي نقدمها لأبنائنا، وأكثرها فائدة وقيمة".
أما عن طريقة إعداد وطهي تلك النبتة، فيتم قطف الأشتال الخضراء، واختيار القِطع اللينة، وغسلها جيداً، تمهيداً لسلقها (السلق يتم وفق الرغبة، إذ يتجه البعض إلى تقطيعها وطهيها مباشرة دون سلق) وبعد عملية التقطيع، يتمّ تجهيز البصل المبشور، وقليه في الزيت إلى أن يصل إلى مرحلة الاحمرار، تحضيراً لإضافة قطع الهليون، وتقليبها معه، بعد إضافة الملح والفلفل، وعين الجرادة والبقدونس، إلى جانب إضافة البيض.
وتتنوع طُرق إعداد هذه الوجبة الربيعية، إذ يضيف البعض الآخر الزعتر الأخضر، أو غيره من أوراق الخضروات، وذلك وفق الرغبة.
وتقول أم نسيم لـ"العربي الجديد" إن هذه النبتة تستخدم لعلاج الالتهابات في المسالك البولية والكليتين، كذلك تستخدم للمفاصل والأورام والضغط، وتمنح الجسم النشاط والحيوية والنَضارة.
ويتناغم مشهد الطبيعة والمساحات الزراعية لحظة طهي الوجبة الشعبية مع الأواني المُستخدمة للطهي على "فرن الطين"، ورائحة اشتعال الحطب، حيث يتم تحضير الأكلة بمختلف مراحلها بطريقة بدائية بسيطة، تفتح شهية من يشارك في العمل، ومن ينتظر النتائج، فيما يُمثِل يوم الهليون فرصة لتناول وجبة طبيعية، وكسر روتين الغذاء المُعتاد.
ويعتبر الحصول على طبق من وجبة "الهليون" مغامرة حقيقية، إذ تتطلب رحلة البحث عنه، زيارة المناطق الحدودية النائية، للبحث بين ألواح الصَبار والأشواك على النبتة الخضراء، فيما يواجه أهالي قطاع غزة تحدياً إضافياً، وهو قُرب تلك النباتات من المنطقة الحدودية، والتي يتعرض فيها المزارعون لإطلاق النار والاعتداءات المتواصلة من قوات الاحتلال الإسرائيلي.