مع آخر فيلم وثائقي رياضي صدر عن سلسلة Untold على منصة نتفليكس تحت عنوان The Race of the Century (سباق القرن)، نتابع الحكاية الملحمية لسباق اليخوت الأميركية. الحكاية التي تكمن خلف العنوان الرئيسي، تُروى بلسان من عاشوا الحدث وتفاصيل الإصرار والجنون والمغامرة والعزيمة والهزيمة والنصر.
القصة الكلاسيكية في هذا العرض حدثت في عام 1983. مجموعة من الأستراليين تحت قيادة الكابتن المهووس جون برتراند، يشاركون في كأس أميركا لسباق اليخوت (أعرق مسابقة شراعية في العالم)، ويحاولون إطاحة نادي نيويورك الذي حافظ على الكأس لمدة 132 عاماً، من قبل الحرب الأهلية، وبانتصارهم تحطم أطول رقم قياسي للفوز المتواصل في تاريخ الرياضة الحديث.
يُفتتح الفيلم بقول الكابتن برتراند: "لم ألتقِ شخصاً عادياً أصبح بطل العالم". الصدارة تتطلب، حسب برتراند، هوساً وشغفاً وعملاً شاقاً والتزاماً نفسياً قاهراً. نرى خلال العرض أن كلام برتراند منقوصٌ نوعاً ما، العزيمة وحدها لا تكفي وحُلم الطفولة الذي يسيطر عليه ليس كافياً أيضاً للانتصار، هذه الرياضة محتكرة للنخبة والأثرياء وأصحاب النفوذ، تحتاج المشاركة في السباق وإنشاء يخت مناسب لما يراوح بين 60 مليون دولار و100 مليون دولار في ذاك الزمن.
خلال المقابلات مع طاقم الفريق الأسترالي واللقطات الأرشيفية من المباراة الحقيقية، أول ما يلفت انتباهنا هو الفروقات الطبقية بينهم وبين الفريق الأميركي؛ الأستراليون ذوو الخلفيات البعيدة عن عالم اليخوت والمال، اجتمعوا لسبب واحد، هو إطاحة غرور الأميركيين، وعلى النقيض منهم يجتمع الأميركيون في النادي بأطقمهم وسيجارهم الثمين، ويتبجحون حول الفوز والسلطة ويبرمون الصفقات بينهم.
يعود الفضل الأكبر في النصر لآلان بوند، مالك نادي اليخوت الأسترالي ودفعه المبلغ اللازم لتصميم القارب Australia II، ثم يأتي بعده المصمم الفذ، بن ليكسن، الذي حصل على لقب "ليوناردو دافنشي أستراليا"، بعد أن غير تصميمه الجديد لما يسمى الصالب المسلح (القطعة المعدنية التي توضع أسفل القارب) تاريخ هذه الرياضة. ليكسن، للمفارقة، لم يحصل على تعليم رسمي طوال حياته. بقي الصالب المسلح -خوفاً من سرقة التصميم- خفياً ومغطىً، وعليه حراسة أمنية شديدة حتى نهاية الكأس، ما أثار حفيظة الأميركان وشكوكهم.
في الماضي، قبل كأس أميركا 1983، حاول النادي الأسترالي هزيمة الأميركان، لكنهم لم يكونوا نداً لهم، ما دفع الكابتن برتراند للذهاب إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا لدراسة الهندسة البحرية، وتنفيذ مهمات كثيرة "خلف خطوط العدو" على حد قوله، حتى إن عنوان أطروحته في النهاية كان "زاوية الهبوب المثلى لأشرعة كأس أميركا"، وهذا -حسب مقابلة مع زوجته- هو الهوس الذي تحدثَ عنه.
يتنقل الوثائقي بتواتر ثابت، ضمن قالب روائي كلاسيكي، بين اللقطات الأرشيفية والمقابلات الحديثة، ليسرد بشكل متوازٍ أحداث السباق. في الثلث الأخير من الفيلم، يبدأ السباق، ونتفهم خوف دينيس كورنر، كابتن الفريق الأميركي من الخسارة، خوفٌ حاضر يدفعه إلى التزام بدني ونفسي فائق. دينيس حوّل هذه الرياضة من هواية للأغنياء إلى ملحمة تتكرر كل أربع سنوات. الخسارة بالنسبة إلى كورنر تعني أولاً كسر سلسلة انتصاراته الـ38 المتتالية، والخروج من الدائرة المحظية ومجتمع الأثرياء، وهذا ما حدث. ينطلق السباق ويتقدم الفريق الأميركي بثلاث جولات مقابل واحدة للأسترالي، بعد أن حدثت أعطالٌ مفاجئة في قاربهم. يعود الفريق الأسترالي ليسجل ثلاثة انتصارات متتالية ويخطف الكأس الذي لم تمسّه يد بشرية منذ أكثر من قرن.
المخرجان تشابمان واي وماكلين واي، يدركان جيداً عدم معرفة معظم المشاهدين بهذه الرياضة، ما فرض عليهما بعض الشروحات التقنية التي لا تقدم شيئاً للحدث درامياً، في المقابل استطاعا تصوير مقابلات حميمية وذات جودة عالية وتقطيعها بنحو خفي يتناسب مع القالب الروائي للسرد. رؤية المخرجان دفعت الفيلم ليكون الأفضل في هذه السلسلة.
كما في كل أفلام سلسلة Untold، السياسة ودسائسها حاضرة، وهذا ما حاول الأميركيون فعله، من تزوير لشهادات تصميم وتقديم المساعدة للنادي من قبل القوات الأميركية الجوية والبحرية. حرب إعلامية قذرة شُنّت على الأستراليين، ومحاولات الـ FBI لكشف واختلاق أي تزوير عبر التجسس واسع النطاق بطرقهم الملتوية. كانت خسارة الكأس كالصاعقة على الأميركان، فقدوا حق استضافة هذه الكأس المقدسة، أي بمعنى آخر، خسروا عجلهم الذهبي.