وثائقيان أفريقيان: شهادات وحقائق مروّعة من عالمنا

05 يوليو 2023
"أمشيليني": صورة مروّعة عن حياة البشر (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

تكشف بلاغة الصورة السينمائية الوضع باقتصادٍ وكثافة. تقع النساء وأحذية الرجال خارج خيمة القرار. خارج الخيمة، هناك كومة أحذية، وتجمّع نساء ينتظر. في الصورة الثانية، توجد الأحذية في مقدّمة الكادر، والنساء في الخلفية، وحولهما منطقة صحراوية. هكذا يعرض الفيلم التشادي "أمْشيليني (اخترني)" لقادر الأمين (2023) تجلّيات اقتصاد زراعي رعوي في منطقة قاحلة. يعطي الديكور الأصفر الفقير صورة مروعة عن حياة البشر. يعطي صورة، لا فكرة مجرّدة فقط، عن صعوبات العيش التي سبّبها الجفاف. يعاني البلد جفافاً مروّعاً. من المسؤول؟ تغييرات المناخ، أم فجور النساء؟ الذنوب تمْحق البركة.

الحلّ؟

يجري التداول في مصير النساء في الخيمة. النساء خارج الخيمة. سيجد الرجال الحلّ الصحيح للجفاف الذي يضرب المنطقة. يجب ألاّ تبقى فتاة عزباء في المنطقة، وليس في البلد، فلكلّ منطقة قانونها في ظلّ ضعف الدولة. يدعم الفقيه الحلّ. الرجال جاهزون للتضحية من أجل الفتيات. على كلّ امرأة اختيار رجل علناً، في وقت قصير. هذه إهانة. لكنْ، هذه الإهانة أقلّ من إنجاب طفل من دون زواج. هذا يجرّ اللعنة والقحط. لذا، على كلّ امرأة أنْ تتزوّج فوراً.

بعد إحصاء العازبات، مُنحت أسبقية اختيار الرجال لفتيات الأغنياء، ثم تختار فتيات الفقراء من تبقّى من الرجال. تختار إحداهنّ أنْ تكون الزوجة الثانية أو الثالثة، فتذكّرها الزوجة الأولى بحقّ الرجل في أربع زوجات.

يعرض الوثائقي (Amchilini, Choisis-Moi) شهادات الشهود الضحايا عن مصير لم يختاروه، لكنّهم يتعايشون معه للقضاء على الفساد. رغم إرغام النساء على الزواج، لم تنتقل خضرة ألمانيا إلى حقول أفريقيا.

يمنع الفساد حصول البركة. الفساد ليس اقتصادياً أو سياسياً، بل نسائي. إنّه الزنا.

إليكم نفحة من رياح "بوكو حرام" التي تهبّ، بالرصاص والدم وقمع النساء، على تشاد وبوركينا فاسو، في فيلمين من بلدين، وباقي الصحراء الكبرى. أكيد أنّ هذه الريح ستصل إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط.

مصدر القلق بالنسبة إلى النساء توفير الطعام، لا الزواج. في كلّ بيت، 4 أطفال تُطعمهم المرأة. هذا بؤس لا ترصده وسائل الإعلام، التي تحصي نتائجه فقط: عدد الغرقى على الشواطئ اليونانية والإيطالية، الذين زاد عددهم أكثر من الثلث، بداية عام 2023.

القحط يتزايد، والطعام يقلّ، والأطفال يتكاثرون، في بيئة متشدّدة. مع الوقت، ستتمدّد جماعة "بوكو حرام"، وستجد في الحرب الأهلية في السودان وقوداً بشرياً وجيوستراتيجياً. كلّما ضعفت الدول، تقدّمت العتبات الدينية، والتنظيمات المتشدّدة، والهجرة السرّية، المكشوفة للعين المجرّدة.

ممّ يهرب المهاجرون، الذي يغرقون في المتوسط؟

يعرض الفيلم الكاميروني، "طيف بوكو حرام" (2023) لسيريال رانغو، جواباً بصرياً: مبانٍ مهدّمة، وسيارات محروقة في أقصى شمال كاميرون. يعيش السكان في أكواخ تحت الحماية العسكرية. يُسمع صوت الرصاص في الجبال المجاورة. هذا وضع يحمل تهديداً دائماً للطفلين اللذين يلعبان تحت الأشجار. هكذا زرعت المخرجة ديكوراً عن منطقة، تقول وكالات الأنباء إنّه قُتل فيها 1200 شخص بين عامي 2013 و2016. صارت الحرب جزءاً من الحياة اليومية، وغزت الخيال. يلعب الأطفال بالطين، ويصنعون مجسّمات أسلحة، ويقلّدون مشية الجنود.

هكذا يهدّد التنظيم الديني الدولة والمجتمع، ويجرفهما خلفه.

 

 

يقدّم الفيلم الكاميروني (Le Spectre De Boko Haram) "داعش" عسكرياً، بينما يُقدّم الفيلم التشادي بنيته الأيديولوجية. النساء سبب اللعنة التي تجلب القحط. بسبب هذه المواضيع، تكون الأفلام الوثائقية جادّة جداً، وتسبّب الكآبة، لأنها تعرض حقائق مروّعة من عالمنا. هنا المفارقة: بينما يموت الآلاف جوعاً، والحرب في أفريقيا، تتحدّث وسائل الإعلام، الشبعانة بعناوين فاقعة، عن خطر الذكاء الاصطناعي مستقبلاً. بينما الملشيات الأفريقية تسعّر نهج "فاغنر"، الملشيا الروسية: "اقتل، روّع، اطرد".

من سيهتم بالاقتتال الداخلي في أفريقيا؟ السينمائيون الشباب، المولودون تحت النار. لكنْ، عليهم الانتباه، فنياً، إلى أنّ كلّ فيلمٍ وثائقي صُوِّر في شهر، لن يضمّ لقطةً واحدة يظهر فيها مرور الزمن. لذلك، هذا ليس فيلماً بل ريبورتاجاً، فيه رؤوس تتكلّم، حتّى لو دُمجت فيه جملٌ مثل "ومرّ وقت طويل"، أو أضيفت إليه صُوَر قديمة في المونتاج، للإيهام بمرور الزمن.

بسبب افتقادها مشاهد حقيقية للحرب، بالغت المخرجة الشابة سيريال رانغو في تصوير لعب الأطفال، وتقلّبات الطقس، ومظاهر الطبيعة. هذا استطراد بصري لا صلة له بالموضوع. لم تُصوّر عنوان فيلمها. لو فعلت ودخلت إلى معاقل "بوكو حرام"، لما خرجت حيّة. لذلك، صوّرت حياة الأطفال تحت التهديد، وصوت الرصاص يتردّد، ويتغنّى النشيد الوطني في المدرسة بالسلام. هذا ثمن ضعف الدولة في منطقتي الساحل والصحراء.

منذ سقوط الموصل بأيدي مقاتلي "داعش" عام 2014، وزواج النكاح في سورية، تراجعت المساحة المخصّصة بأخبار التنظيمات الإرهابية على العناوين الأولى لوسائل الإعلام. التنظيم لم ينقرض، والخطر لم ينته. لكنه نقل نشاطه إلى حيث يخرج من تحت الأضواء، وأفلامٌ من قلب أفريقيا ترصده.

إلى الآن، "بوكو حرام" و"داعش" بخير، عسكرياً وأيديولوجياً. الصمت الإعلامي ـ الفني يمنحهما الوقت ليشتغلا ويحفرا. حين تغيب قضايا التشدّد في الفن والنقاش العام، يضطرّ جهاز الأمن لمواجهة "داعش" لوحده. عندما يكون التشدّد بخير، تكون أجهزة الأمن في محنة.

(*) عُرض الفيلمان في قاعة "سينما الصحراء" في المدينة المغربية أغادير، في الدورة الـ14 (5 ـ 10 يونيو/حزيران 2023) لـ"المهرجان الدولي للشريط الوثائقي"، الذي قدّم طوبوغرافيا العالم من مختلف القارات. ركّزت هذه الدورة على أفريقيا.

المساهمون