كشف "المعهد الدولي للصحافة" عن 426 انتهاكاً لحرية الصحافة حول العالم عند تغطية كل ما يتعلق بوباء فيروس كورونا الجديد. وتحدث صحافيون في آسيا وجنوب أفريقيا والشرق الأوسط عن تحديات كبرى تواجه الإعلام في هذه الفترة الاستثنائية. وشدّد موقع "جورناليزم" الإخباري على أن هذه الإحصاءات تكشف استغلال بعض الدول للجائحة في إسكات الصحافيين وترهيبهم.
المضايقة القانونية
صوّبت رئيسة التحرير في المؤسسة الإخبارية المستقلة "سكرول. إن" Scroll.in الهندية، سوبريا شارما، على دائرة رئيس الوزراء ناريندرا مودي، وتحدثت عن معاناة المواطنين من الجوع أثناء الإغلاق للحد من تفشي فيروس كورونا.
وكانت النتيجة سلسلة من التهم، بينها التشهير وإساءة الاقتباس من المصادر التي التقتها. تمسّك الموقع الإخباري بدقة القصة، وتقدم بطعن بالتهم لدى المحكمة العليا.
بعد شهرين، تلقت شارما الحماية من الاعتقال، لكن القضية لا تزال مستمرة. وقالت شارما إنها بفضل النشر باللغة الإنكليزية تمكنت من الحصول على تغطية واسعة، لكن منظمات ومؤسسات محلية أصغر لا تتمتع بهذا الامتياز.
وأوضحت أن "الصحافيين العاملين في المؤسسات المحلية كانوا دائماً عرضة للترهيب والمضايقة"، معتبرة أن الرسالة التي توجهها السلطات الهندية مفادها بأنه "حين لا يكون الصحافيون أصحاب الامتيازات آمنين فسيكون الجميع أكثر حذراً بشأن التقارير التي يعدّونها". ودعت شارما إلى توفير دعم قانوني دولي وصندوق دفاع قانوني للصحافيين.
هذا ليس حدثاً منعزلاً، فوفقاً لـ"المعهد الدولي للصحافة" أجري 60 تحقيقاً جنائياً وتهمة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ مرتبطة بتغطية "كوفيد -19"، واعتقل 36 صحافياً، بالإضافة إلى أشكال احتجاز أخرى.
أسلوب "الملعقة"
الحالة الأكثر شهرة التي اتُبع فيها هذا الأسلوب هي تلك المتعلقة برئيسة تحرير الموقع الإخباري "رابلر" Rappler، الفيليبينية ماريا ريسّا.
في يونيو/حزيران الماضي، أُدينت ريسّا بتهمة التشهير الإلكتروني، بالإضافة إلى تهمتين أخريين في الفيليبين، وهي حالياً حرة بكفالة في انتظار الاستئناف. على الرغم من أن هذه القضية تتعلق بتقرير حول روابط بين رجل أعمال وقاضٍ رفيع المستوى، إلا أنه يُنظر إليها على أنها اختبار لحرية الإعلام في البلاد التي عانت أيضاً طوال جائحة فيروس كورونا.
وقالت المؤسسة المشاركة في "رابلر"، غليندا غلوريا، إن هناك تأثيراً مضاعفاً بين محاصرة التقارير الدقيقة وتدفق الدعاية في البلاد. ففي الفيليبين، قُيد الوصول إلى المعلومات الرسمية بإحكام، وأغلقت محطة "إيخ بي إس- سي بي أن" ABS-CBN الرائدة في مايو/أيار في ذروة الإغلاق للحد من انتشار الوباء. وفرض على وسائل الإعلام الاكتفاء بالمعلومات الصحافية "أحادية الاتجاه"، ما يعني حرمان القرّاء من المعلومات التي تم التحقق منها وفي الوقت المناسب.
ووصفت غلوريا هذه الإجراء بـ"دفق معلومات أحادي الاتجاه يحتوي على معلومات من الوسائط التي تحصل عليها بالملعقة، ولا تفيد الجمهور بل إنها خاطئة في بعض الأحيان"، معتبرة أن وسائل التواصل الاجتماعي لا تساعد في الحلّ، لأنها تسمح للدعاية بالوصول إلى الجماهير قبل أن تتاح لوسائل الإعلام فرصة للتحقق من المعلومات.
يتعاون الموقع الإخباري "رابلر" مع منصة "فيسبوك"، ويرى أنها يمكن أن تكون قوة من أجل الخير، لكن يجب أن تكون أكثر مسؤولية عن محتواها.
التحقق من صحة الأخبار وحده ليس كافياً، يجب أن تصبح الشبكة الاجتماعية مرنة بما يكفي لمواجهة الروايات الكاذبة التي تملأ صفحات المستخدمين، لأن "الديمقراطية نفسها في خطر"، وفقاً لغلوريا.
تجريم الصحافة
وتبدو الأوضاع مقلقة أكثر في جنوب أفريقيا، حيث اختفى الصحافي الموزامبيقي إبرايمو أبو مباروكو منذ شهور، وحيث تتوالى التقارير عن اعتداءات على الصحافيين في المؤتمرات الصحافية.
ووفقاً لـ"المعهد الدولي للصحافة"، حصل 22 اعتداء جسدياً من السطات على صحافيين يغطون مواضيع متعلقة بوباء فيروس كورونا في أفريقيا. وقال مدير "معهد الإعلام في زيمبابوي جنوب أفريقيا" Media Institute of Southern Africa Zimbabwe، تاباني مويو، "إن الأمر المثير للقلق هو أنه أياً كان ما تفعله جنوب أفريقيا، القوة الإقليمية، فإن جيرانها الأصغر سينسخون ويلصقون"، وفق ما نقل "المعهد الدولي للصحافة".
يمكّن القانون في جنوب أفريقيا من سجن مَن ينشرون معلومات مضللة عن فيروس كورونا، وهذا يسمح للرقابة الذاتية بالتسلل إلى نفوس الصحافيين والمدونين والناشطين. قد يكون لذلك عواقب وخيمة على الصحافيين في المنطقة الذين يسعون لتحدي السلطات.
كما تسن دول أخرى قوانين من دون التدقيق البرلماني المعتاد، و"انتهزت هذه الفرصة لمركزية السلطة"، وهذا يعني أن الصحافيين بحاجة إلى التدقيق في القوانين أكثر من أي وقت مضى، لكن القيام بذلك يعرّضهم لمخاطر شخصية وقانونية حقيقية. أوامر الكمامة والحركة المحدودة لا يختلف الأمر في الأردن، حيث أعطت قوانين الدفاع صلاحيات واسعة للسلطات لفرض حظر التجول وإغلاق الشركات وإسكات الصحافة.
وقالت المؤسسة المشاركة ورئيسة تحرير مجلة "حبر"، وهي مطبوعة صحافية للمواطنين على الإنترنت، لينا عجيلات، إنه "من المفهوم أن على الحكومة اتخاذ إجراءات غير عادية للسيطرة على انتشار الوباء... كانت هناك فترة غير عادية من الثقة العامة، وهي ليست شائعة جداً، لكننا بدأنا تدريجياً في رؤية ذلك، بالطبع كانت هناك قيود على الوصول إلى المعلومات وحركة الصحافيين". وأعفي ممارسو بعض المهن من حظر التجول، بما في ذلك وسائل الإعلام، لكن عدد التصاريح الصادرة يعتمد إلى حد كبير على النشر.
كانت الوسائط عبر الإنترنت، مثل "حبر"، في أسفل قائمة الأولويات ومُنحت تصريحان، بغض النظر عن حجم المؤسسة. حتى مع تخفيف الإغلاق، لم يزد عدد التصاريح. وحصل الصحافيون على الحرية الكاملة بمجرد رفع حظر التجول. هذا يعني أنه لمدة شهرين ونصف، كان لدى "حبر" اثنان فقط من الصحافيين يعملان في فترة ما بعد حظر التجول.
وعلى الرغم من أن الحكومة أرادت منع أي محاولة اعتبرتها تقوض جهودها لمحاربة الوباء، إلا أن أوامر حظر النشر منعت التقارير الهامة، كما أسفرت عن اعتقال صحافيين مثل باسل العكور، ناشر ورئيس تحرير المنفذ الإخباري المستقل Jo24، لتحديه أمر منع النشر حول احتجاج المعلمين. وقد أطلق سراحه لاحقاً.
وقالت عجيلات إن المنصات الاجتماعية بحاجة إلى أن تكون أكثر عرضة للمساءلة بشأن ما روجت له حين أثيرت أزمة المعلمين في الأردن. ومن المفارقات أن اندفاع الحسابات الآلية على وسائل التواصل الاجتماعي كان يتلاعب بالوسوم والمواضيع الشائعة لإلقاء اللوم على المعلمين. وأشارت "من ناحية، حذرت الحكومة مراراً وتكراراً من الشائعات ونشر معلومات مضللة، لكن عندما [بدأت] حملة القمع تجاه نقابة المعلمين، رأينا انتشاراً لمقاطع الفيديو التي أنتجتها كيانات مجهولة وشاركتها حسابات الروبوت هذه".