فرضت الهيئة العامة الفرنسية لتنظيم وسائل الإعلام السمعية والبصرية والرقمية غرامة قيمتها 3.5 ملايين يورو (نحو 3.8 ملايين دولار) على قناة سي8 (C8) التلفزيونية، بعد الإهانات التي وجّهها مقدم البرامج فيها، سيريل حانونا، على الهواء مباشرة إلى النائب المنتمي إلى حركة فرنسا الأبية، لوي بوايار. الغرامة غير مسبوقة، وهذا ما اجتمعت عليه معظم المواقع الإخبارية في البلاد، بعد أشهر من الحادثة التي أثارت الغضب في الوسط الإعلامي ولدى الرأي العام الفرنسي.
"اخرس" و"مهرج" و"أحمق" و"حقير"... هذا قليلٌ من الكلمات التي وجهها حانونا (48 عاماً) على الهواء مباشرة إلى بوايار (22 عاماً)، حين استضافه في برنامجه ! Touche pas à mon poste على قناة سي8، منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.
اللقطة التلفزيونية التي استدعت تحرّكاً من الهيئة المشرفة على وسائل الإعلام في فرنسا وغرامة بهذا الحجم وقعت على إثر ذكر بوايار اسم الملياردير ورجل الأعمال ومالك مجموعة كانال بلوس الإعلامية، فنسان بولوري. إذ قال بوايار إن "الأشخاص الخمسة الأكثر ثراءً هم من يتحمّلون مسؤولية إفقار فرنسا وأفريقيا. على سبيل المثال بولوري الذي هدم غابات الكاميرون". كان موضوع النقاش حينها باخرة كانت تقلّ 230 مهاجراً عبر البحر الأبيض المتوسط. بوايار الذي ينتمي إلى حركة فرنسا الأبية اليسارية كان يشير في جملته القصيرة تلك إلى نشاط شركة سوكابالم (Socapalm) لإنتاج زيت النخيل في الكاميرون، وبولوري واحد من الشركاء فيها.
وفي بيان الهيئة العامة الذي أصدرته أمس الخميس للإعلان عن قرار تغريم القناة، أشارت إلى أن الكلام الذي توجّه به حانونا إلى النائب يعد انتهاكاً لحقوقه كضيف، وكذلك لشرفه ولسمعته. كما اعتبرت الهيئة أنّ "هذه الحادثة تعكس عدم معرفة المُستضيف كيفية التحكّم بالبثّ الخاص". كما ذكرت الهيئة تقدّمها بإشعار رسمي إلى القناة، تطلب منها الالتزام بمعايير المصداقية واستقلاليّة المعلومات. وهذا على اعتبار أنّ النائب لوي بوايار "مُنع بشكل واضح من التعبير عن رأيه النقدي لواحد من الشركاء في مجموعة كانال بلوس التي تضم تحت مظلتها خدمات قناة سي8 التلفزيونية". وهذا ما أعاق، وفقاً للهيئة العامة، تطبيق شروط وقواعد استقلالية المعلومات.
لكن هذه ليست المرة الأولى التي تغرّم فيها قناة سي8 الفرنسية. عام 2017، فرضت غرامة قيمتها ثلاثة ملايين يورو على القناة، بسبب "خدعة" أو "مقلب" قام به المقدّم نفسه سيريل حانونا، مع أحد الأشخاص على الهواء. وفي فبراير/ شباط من عام 2020، غرّمت القناة 10 آلاف يورو، بسبب عرضها صوراً حميمية للصحافية في قناة تي إف1 (TF1)، كارين فيري.
ويأتي هذا القرار في خضمّ أجواء إعلامية مشحونة مليئة بالتصريحات والأخذ والردّ، خاصة بين وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك، ومجموعة كانال بلوس التي تولّى سيريل حانونا مسؤولية الردّ نيابة عنها في أكثر من مناسبة. وكانت عبد الملك قد أشارت في مقابلة إذاعية، عبر "فرانس إنتر"، صباح الخميس، إلى إمكانية أن تسحب الهيئة العامة لتنظيم وسائل الإعلام من قناتي سي8 وسي نيوز (CNews)، التابعتين لـ"كانال بلوس"، تردداتهما في حال استمرارهما بكسر القواعد والشروط الواضحة. واستنكرت المجموعة تصريحات عبد الملك بحقّ القناتين، وعبّرت في بيان صحافي عن "الصدمة الشديدة".
وحسب صحيفة لوموند الفرنسية، وفي صدفة غريبة، رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، الخميس، أيضاً، الطعن الذي كانت قد تقدّمت به قناة سي8، باسم حرية التعبير، على قرار تغريمها ثلاثة ملايين يورو.