أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأميركي جو بايدن حول الذكاء الاصطناعي و"الأخطار" التي يُحتمل أن يمثلها على الديمقراطية والقيم اهتماماً عالمياً، لا سيما بعد مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا، وتصاعد المخاوف الغربية من هيمنة "النموذج الآخر"، ومن انتشار المعلومات "المضللة" وفقدان القدرة على السيطرة عليها. وسبق لزعماء غربيين أن حذروا من أخطار الذكاء الاصطناعي الآخذ في الانتشار حديثاً، من دون تجاهل الإيجابيات التي يمكن لهذه التقنية تقديمها في الحياة العلمية والمهنية والأكاديمية البحثية.
وفي إحاطة إعلامية أقامها مركز الإعلام الدولي التابع لوزارة الخارجية الأميركية، اعتبر السفير الأميركي المتجول للفضاء الإلكتروني والسياسة الرقمية ناثانيال فيك أن "على الحكومات تحمل مسؤولية تخفيف أخطار التقنيات الناشئة بما فيها الذكاء الاصطناعي، لحماية المواطنين"، مضيفاً أن الولايات المتحدة "تعلمت من دروس الماضي القريب"، وبالتالي هي لا تعتزم "اتباع نهج سلبي في إدارة هذا الملف".
وكانت سبع من الشركات الرائدة في الولايات المتحدة، من بينها "أمازون" و"غوغل" و"ميتا"، قد وافقت، الجمعة الماضي، خلال اجتماعها مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض على "إدارة أخطار الأدوات الجديدة"، والالتزام رسمياً وطواعية بـ"معايير جديدة للسلامة والأمن والثقة".
وأكد ناثانيال فيك على أن تلك المعايير (السلامة، والأمن، والثقة)، هي حجر الأساس في مستقبل الذكاء الاصطناعي وفي آلية حوكمته، محذراً في الوقت نفسه من أنه "ليس أمامنا عقد من الزمن لوضع آلية الحوكمة، بالنظر إلى وتيرة التغيير التكنولوجي المتسارعة"، لذا فإن تلك الالتزامات الثلاثة هي "الخطوة الأولى لهيكل حوكمة قوي وديناميكي ومرن".
مسألة الذكاء الاصطناعي كانت إحدى محاور النقاش الأساسية في العديد من المؤتمرات الدولية خلال الأشهر الماضية، لا سيما قمة مجموعة الدول السبع الأخيرة التي عقدت في هيروشيما في مايو/ أيار الماضي. كما أن وزارة الخارجية الأميركية ستكون من الداعمين الأساسيين للقمة العالمية لسلامة الذكاء الاصطناعي التي ستعقد هذا الخريف في المملكة المتحدة.
من جهته، أشار نائب المبعوث الأميركي للتكنولوجيا الحرجة والناشئة سيث سنتر إلى أننا نشهد حالياً "بداية البداية في العصر الجديد للذكاء الاصطناعي"، وأن هذه الالتزامات الطوعية هي الجهد الأول الذي تبذله حكومة الولايات المتحدة، من خلال تعاملها مع بعض نماذج المؤسسات الرائدة، "لوضع إطار عمل يستخلص المخاوف التي لدينا ويقدم حلولاً للتعامل معها".
وفي ما يتعلق بالبعد الزمني للتعامل مع هذه "الظاهرة الحديثة"، اتفق سنتر مع السفير الأميركي على "أننا لا نملك عقداً من الزمن" لمواجهة هذا التحدي، وأن "قيادة حوكمة الذكاء الاصطناعي في هذه الحالة تعني التحرك بسرعة مع بذل أفضل الجهود الممكنة في أقرب وقت ممكن"، وإدراك حقيقة أنه "ليست كل إجابة مُرضية في هذه المرحلة"، وأن "الصورة الكاملة لجميع الجوانب السلبية لا تزال غير متوفرة".
وفي ردّ سنتر على سؤال "العربي الجديد" حول كيفية تعامل الولايات المتحدة مع السيطرة المحتملة للصين وحلفائها على برامج الذكاء الاصطناعي الجديدة، قال إن الذكاء الاصطناعي يطرح "فوائد عالمية، وأخطاراً عالمية أيضاً". وبما أن المزايا والتحديات عالمية على حد سواء، فعلى المشاركين في مواجهة هذه التحديات أن يكونوا عالميين أيضاً، أي أنه لا يمكن "لدولة بمفردها أو لمجموعة صغيرة من الدول أو لشركة أو مجموعة من الشركات أن تؤثر وحدها في صنع القرار وفي مواجهة أخطار تتجاوز الأنظمة السياسية". في المقابل، ستكون هناك العديد من المجالات حيث سيكون من الصعب على الولايات المتحدة التوصل إلى اتفاق مشترك حول مستقبل الذكاء الاصطناعي مع أي دولة يحكمها الاستبداد كالصين.
وشدّد المسؤولان الأميركيان على أهمية أن "يتمتع المستخدمون بأكبر قدر ممكن من السيطرة والقدرة على تحديد وتمييز المحتوى الذي أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي في هذا العالم"، لا سيما مع انتشار المحتوى الزائف الذي يتحدّى المجتمعات الديمقراطية، مع الإشارة إلى الحاجة الماسة "لتطوير آليات قوية وفعالة للتحقق من مصادر المعلومات"، وتنظيم حملات توعية عامة حول الذكاء الاصطناعي، بالضبط كتلك الحملات التي سبق للمجتمعات ابتكارها حول أخطار التدخين مثلاً أو أهمية حزام الأمان.
وحول أخطار الذكاء الاصطناعي على البشرية، اعتبر المسؤولان أن "المستقبل مجهول"، لكن "علينا التركيز على الفوائد والفرص المذهلة التي قدّمتها الثورات التكنولوجية". إذ سبق لأحاديث مشابهة أن راجت مع ثورة الإنترنت تحذر من أن هذه التقنية الثورية ستقضي على صناعات بأكملها، ومع أن هذا الأمر قد حدث بالفعل في بعض المجالات، إلا أن "خلق فرص عمل جديدة والنمو الاقتصادي الذي أتاحته تلك التقنيات، تفوق على تدمير الوظائف". ولم يستبعد المسؤولان أن يخلق عصر الذكاء الاصطناعي اضطرابات عدة، حيث "سيحتاج البشر إلى تعلم مهارات جديدة ليجاروا التقدم الحاصل"، ما يعزز الحاجة إلى المزيد من التدريب واكتساب المهارات.