نشأنا على الاعتقاد بأنّ الحليب من مصادر الكالسيوم المركزة، وأنّ تناوله يعزز نمو الأسنان والعظام القوية ويساعد في جبر الكسور ويمنع هشاشة (ترقق) العظام. لكنّ المثير للدهشة أنّ بعض الدراسات العلمية لا تؤيد ذلك، بل تربط استهلاكه بحدوث هشاشة العظام. فهل استهلاك الحليب يسببها فعلاً؟ وكيف يمكن الوقاية منها؟ في الواقع تظهر الدراسات نتائج متناقضة.
على سبيل المثال، أظهرت دراسات أميركية أنّ النساء اللواتي يشربن ثلاثة أكواب من الحليب في اليوم (بناء على توصيات وزارة الزراعة الأميركية) كن أكثر تعرضاً لخطر الإصابة بكسور الورك بنسبة تصل إلى 60 في المائة. كما أظهرت الأبحاث التي أجراها فريق من العلماء السويديين صلة بين استهلاك الحليب وزيادة الوفيات وكسور العظام وهشاشة العظام. فبالنسبة للنساء، أدى شرب أكثر من 200 ملل من الحليب يومياً (أقل من كوب واحد) إلى زيادة خطر الإصابة بكسور الورك في سنّ الشيخوخة وزيادة معدل الوفيات بنسبة 21 في المائة، وارتفعت هذه المخاطر إلى 93 في المائة عند استهلاك ثلاثة أكواب أو أكثر.
وتفسر تلك الأبحاث كيف يسبب الحليب هشاشة العظام، وذلك لأنّ هضم بروتينات الحليب ينتج عنه مركبات شديدة الحمضية يزيد من درجة حموضة الدم. ولمعادلة الحمض، يقوم الجسم باستخدام أشد العناصر قلوية في الجسم، وهو الكالسيوم، عبر سحبه من العظام والأسنان ثم يُطرح خارج الجسم عن طريق البول، ما يؤثر على العظام بطبيعة الحال، ويؤدي إلى هشاشتها. كما أنّ سكر الحليب دي- غلاكتوز (D-galactose) يعزز الإجهاد التأكسدي والالتهابات التي ترتبط بانخفاض كتلة العضلات والعظام وتلف الأنسجة على المستوى الخلوي.
في المقابل، تنفي بعض الدراسات أيّ ارتباط بين استهلاك منتجات الألبان والإصابة بهشاشة العظام. منها على سبيل المثال، البحث الذي نشر في المجلة الأميركية للصحة العامة (American Journal of Public Health) الذي تشير نتائجه إلى أنّ استهلاك الحليب لا يؤثر سلباً أو إيجاباً في صحة العظام. لكنّ دراسات أخرى تظهر أنّ ارتفاع استهلاك الحليب ومنتجات الألبان يؤدي إلى تقليل مخاطر الكسور وتقليل مخاطر الإصابة بهشاشة العظام. ففي دراسة أجريت على 830 رجلاً وامرأة من سكان السويد (متوسط أعمارهم 77 عاماً) تبين أنّ أولئك الذين لديهم متوسط استهلاك من الحليب أعلى من سبع حصص في الأسبوع الواحد، كانوا أقل تعرضاً لمخاطر كسر الورك من أولئك الذين يتناولون أقل من حصة واحدة أسبوعياً. ويبرر هذا الفريق نتائجه بأنّ تناول المزيد من البروتين يؤدي إلى تحسين صحة العظام، كما أنّ منتجات الألبان ليست غنية بالبروتين والكالسيوم فحسب، بل إنّها غنية أيضاً بالفوسفور وفيتامين "K2" وهي عناصر مهمة جداً لصحة العظام.
في الواقع، يبدو أنّ هناك كثيراً من العوامل الأخرى التي تؤثر في صحة وهشاشة العظام، والتي لا علاقة لها تماماً بمستوى استهلاك الحليب، فمع تجاهل هذه العوامل في الأبحاث تكون النتائج مختلفة على مستوى التأثير على العظام، منها العوامل الوراثية، ومستوى النشاط البدني، ووزن الجسم، والتدخين أو التعرض للتدخين غير المباشر، واستهلاك الكحول، ومستويات الهرمونات، والأدوية التي يتناولها الشخص.