تضع معظم شركات السجائر في بلدان العالم ملصقات أو تحذيرات على علب السجائر، لتنبيه المستخدمين لمخاطر التدخين على الصحة، والتي قد تصل إلى الإصابة بسرطان الرئة؛ ما يعني وجود رابط قوي بين التدخين وسرطان الرئة.
وعلى الرغم من أن تدخين السجائر يمثل السبب الرئيسي لسرطان الرئة، فإنّ أقلية فقط من المدخنين يصابون بهذا المرض، وفق دراسة أعدها باحثون في كلية ألبرت أينشتاين للطب، في الولايات المتحدة، ونشرت في 11 إبريل/نيسان الحالي في مجلة نيتشر جينيتيكس Nature Genetics.
تشير الدراسة إلى أنّ بعض المدخنين قد يكون لديهم آليات قوية تحميهم من سرطان الرئة عن طريق الحد من الطفرات. ويمكن أن تساعد النتائج في تحديد هؤلاء المدخنين الذين يواجهون خطراً متزايداً للإصابة بالمرض، وبالتالي يحتاجون إلى المراقبة الدقيقة بشكل خاص. تقدم هذه الفرضية تفسيراً لسبب عدم إصابة غالبية المدخنين بسرطان الرئة.
في تصريح لـ"العربي الجديد"، أوضح المؤلف الرئيسي في الدراسة، سايمون سبيفاك، أستاذ طب الأوبئة وعلم الوراثة في كلية ألبرت أينشتاين للطب، أنه لطالما اعتقد الأطباء والعلماء، على حد سواء، أن التدخين يسبب سرطان الرئة عن طريق إثارة طفرات مختلفة في الحمض النووي داخل خلايا الرئة الطبيعية، "لكن هذا لا يمكن إثباته أبداً حتى دراستنا، نظراً إلى عدم وجود طريقة لتحديد الطفرات بدقة في الخلايا الطبيعية". وأضاف المؤلف: "قد تمثل هذه النتائج خطوة مهمة نحو الوقاية والكشف المبكر عن مخاطر الإصابة بسرطان الرئة، بعيداً عن الجهود الهائلة الحالية اللازمة لمكافحة المرض في المرحلة المتأخرة، حين تحدث غالبية مظاهر التدهور الصحي ومن ثم النفقات الكبيرة".
وفقاً لنتائج الدراسة، ثبت للباحثين أن طرق تسلسل الجينوم الكامل للخلية الواحدة تحفز أخطاء التسلسل التي يصعب تمييزها بشكل خاص عن الطفرات الحقيقية. هذا يجعل تحليل الخلايا التي تحتوي على طفرات نادرة وعشوائية أكثر صعوبة. نجح الباحثون في حلّ مشكلة البحث هذه، إلى حد كبير، قبل بضع سنوات، من خلال تطوير طريقة جديدة ومحسنة لتسلسل الجينوم الكامل للخلايا الفردية. وفقاً للفريق البحثي، فإنّ هذه الطريقة الجديدة تفسر بنجاح أخطاء التسلسل ومن ثم تقليلها لاحقاً.
استخدم المؤلفون هذه الطريقة المحسنة لتحليل ومقارنة الطفرات في الخلايا الرئوية الطبيعية التي تبطن الرئة، والتي تعرف باسم الخلايا الظهارية. أجريت التحليلات على مجموعتين متميزتين: 14 شخصاً لم يدخنوا أبدا تتراوح أعمارهم بين 11 و86 عاماً، و19 شخصاً من المدخنين الذين تتراوح أعمارهم بين 44 و81 عاماً، والذين يدخنون بحد أقصى 116 عبوة سجائر في السنة.
وقال سبيفاك: "تعيش الخلايا الرئوية الظهارية لسنوات أو حتى لعقود، وبالتالي يمكنها أن تحتوي تراكم الطفرات مع تقدم العمر وزيادة عدد سنوات التدخين. من بين جميع أنواع خلايا الرئة، هذه الخلايا من بين أكثر أنواع الخلايا عرضة للإصابة بالسرطان".
كشف التحليل عن طفرات تراكمت في خلايا الرئة لغير المدخنين مع تقدمهم في السن. مع ذلك، كان هناك المزيد من الطفرات بشكل ملحوظ داخل خلايا الرئة للمدخنين. يؤكد هذا تجريبياً أنّ التدخين يزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة عن طريق زيادة تواتر الطفرات، كما افترض سابقاً.
وأوضح سبيفاك أن "هذا على الأرجح أحد أسباب إصابة عدد قليل من غير المدخنين بسرطان الرئة، بينما يصاب 10 في المائة إلى 20 في المائة من المدخنين مدى الحياة". ويلفت إلى أنّه على الرغم من هذه النتائج، فقد توقف الارتفاع الملحوظ في الطفرات الخلوية في المدخنين بعد مرور 23 سنة من التعرض للدخان.
لكنّ التدخين ليس السبب الوحيد لسرطان الرئة، إذ أظهرت نتائج دراسة في مجلة إنفيرومنت ريسيرتش Environment Research في فبراير/شباط الماضي، وفاة أكثر من ثمانية ملايين شخص حول العالم كلّ عام نتيجة استنشاق الهواء الذي يحتوي على جزيئات من حرق الوقود، مثل الفحم والبنزين والديزل، ما يؤدي إلى تفاقم أمراض الجهاز التنفسي مثل الربو، ويمكن أن يؤدي إلى سرطان الرئة وأمراض القلب التاجية والسكتات الدماغية.