لم يمر المؤتمر السنوي، الذي تعقده نقابة الفنانين السوريين في بداية كل عام، مروراً عابراً. كما لم يقتصر على قراءة بعض النشرات والقرارات الروتينية كما يحدث عادةً؛ إذ إن نقيب الفنانين السوريين زهير رمضان، الذي طغى على عرش النقابة وجدد ولايته خلال العام الماضي، بعد فضيحة طرد الإعلاميين وعقد انتخابات سرية، فاجأ الجميع بالقرار الذي افتتح به عامه الجديد، والذي سمّاه "نقلة نوعية" بتاريخ النقابة؛ والمقصود هنا قرار تصنيف الفنانين السوريين ضمن ثلاثة رتب: "فنان"، و"فنان أول"، و"فنان ممتاز"، الذي قام بطرحه بحجة "إنصاف الزملاء وتحقيق العدالة"!
تحت شعار "الفنانون فصيل طليعي ملتزم بقضايا المجتمع ويساهم في بناء الوطن والإنسان"، تم عقد المؤتمر، الذي كان عبارة عن مهرجان لإلقاء الشعارات الوطنية الثقيلة، التي تحول الفنان في سورية إلى جندي ضمن فصيل يقوده زهير رمضان رغماً عن أنف الجميع. ورافق ذلك الإعلان عن قيام النقابة بإعداد خطة عمل متكاملة جديدة، بدأ العمل بها مع بداية شهر فبراير/ شباط الجاري، وزيّن رمضان خطته بأهداف وطنية، إذ ذكر أن الهدف من تطبيق خطته الجديددة هو "الإعلاء من مكانة الفن السوري وإظهار الوجه الحضاري والعصري لسورية".
في المؤتمر، ذكر رمضان الدور الذي ستلعبه النقابة بعد تنفيذ خطته، حيث أشار إلى أن نقابة الفنانين ستكون مهمتها ترشيح الفنانين للمشاركة بالأعمال الفنية التي سيتم إنتاجها في سورية. ذلك يعني أن الفنان الذي يحصل على رتبة "فنان ممتاز" ستكون له الفرص الأكبر بالعمل. وبالطبع سيتم اعتماد معايير الولاء والتبعية للأسد لتصنيف الفنانين، ولن يتمكن من الحصول على هذه الرتبة الرفيعة سوى الفنان الذي وضع فنه بخدمة قائد الوطن.
إن مهزلة الرتب التي بدأت نقابة الفنانين بوهبها لمن تشاء، لا تبدو غريبة في دولة مثل سورية، الدولة الشمولية التي تستخدم "الاشتراكية" كشعار في حكمها العسكري الهرمي. لكن الأمر الذي يبدو أكثر غرابة، هو حديث زهير رمضان، الذي تلا القرار، وما تداولته الصحف السورية الوطنية من تصريحات وشروحات عن رأي نقيب الفنانين بالفن.
ففي معرض حديثه، أشار رمضان إلى وجود مشكلة يعاني منها الفن في سورية، تكمن في أن الممثلين الذين يحبهم الجمهور نجدهم في معظم المسلسلات، واعتبر أن هذا المعيار السائد هو غير منصف بالضرورة، وارتأى أنه من الأجدى العمل على تقسيم العمل الفني في سورية وفقاً لما قدمه الفنان لبلده! لينسف رمضان بذلك كل المعايير التي تحدد آليات الإنتاج الفني، والمتعلقة بموهبة الفنان ومهارته وقدرته على كسب حب الجمهور وشعبيته، ويتحول الفن السوري في حقبة زهير رمضان الجديدة إلى فرصة عمل ليس إلا، يجب أن ينالها المطبلون والموالون. وفقاً لهذه التعريفات المشوهة عن الفن، يتم تحديد دور الرقابة الجديد، والذي يمكن تلخصيه بأنه سرقة فرص العمل من الفنانين الموهوبين ومنحها للفنانين "الوطنيين".