نقابة الصحافيين الفلسطينيين... تزكية بلا انتخابات

25 مايو 2023
احتج صحافيون أمام مقر النقابة في غزة يوم الثلاثاء (عبد الحكيم أبو رياش/ العربي الجديد)
+ الخط -

بعد مرور 11 عاماً على آخر انتخابات ومؤتمر للهيئة العامة لنقابة الصحافيين الفلسطينيين، عقدت دورة جديدة من المؤتمر يوم الثلاثاء الماضي، لكن من دون تنظيم عملية الاقتراع التي كان من المفترض أن تعقد يوم أمس الأربعاء، وفق جدول العملية الانتخابية المعلن.

وقد ترشحت قائمة واحدة مثلت فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وفازت بالتزكية دون عملية اقتراع، بعد أن أعلنت أجسام صحافية مقاطعة المؤتمر والانتخابات، بسبب ما يقولون إنه تصميم مسبق للنتائج من خلال مؤتمر استثنائي عقد في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، ومن بين المقاطعين كتلة الصحافي المستقل التي خاضت الانتخابات عام 2012، وهي ثاني أكبر كتلة في النقابة بعد كتلة حركة فتح، وحراك الصحافيين الذي ولد العام الماضي وطالب بإصلاح النقابة وعقد انتخابات، وصحافيون مستقلون، إضافة إلى كتل في قطاع غزة تمثل حركات سياسية كحماس والجهاد الإسلامي.

وأعلنت النقابة في بيان رسمي اختتام مؤتمرها العام السابع بإعلان فوز قائمة شهداء الصحافة الفلسطينية بالتزكية بكافة مقاعد المجلس الإداري، إضافةً إلى عددٍ من القرارات.

بينما اعتبرت كل من كتلة "الصحافي المستقل" و"حراك الصحافيين"، اللتين قاطعتا الانتخابات، و"صحافيون مستقلون"، في بيان مشترك، أنّ المؤتمر "لم يخرج عمّا كان متوقعاً"، وهو "تعميق أزمة الشرعية والتمثيل والالتحاف بسياسات وشعارات كبيرة مفرغة من مضمونها" و"محاولة بائسة لترميم شرعية تآكلت". وأشار البيان إلى أن ما نتج ليس "جسماً تمثيلياً ديمقراطياً شرعياً للصحافيين، بل حالة تعكس التقاسم الفصائلي لجسم نقابي مختطف من الصحافيين ولا يمثل همومهم".

وكان مئات الصحافيين قد جمعوا مطلع أغسطس/ آب من العام الماضي توقيعات على عريضة تطالب النقابة بإجراء الانتخابات المستحقة منذ عام 2015 والتدقيق في ملفات العضوية في النقابة، فيما عرف لاحقاً باسم حراك الصحافيين. بعدها بثلاثة أيام أعلنت الأمانة العامة عن موعد للانتخابات في ديسمبر/ كانون الأول 2022، معلنة إعطاء فترة زمنية كافية للتشاور مع مكونات الجسم الصحافي والأطر الصحافية.

لكن بسبب ما اعتبره صحافيون تنكراً من النقابة لتعهدها بالتشاور، وقيامها بنشر نظام داخلي معدل لها بعد أسابيع من الدعوة للانتخابات، انفجرت أزمة جديدة وهي شرعية النظام الداخلي الذي يحكم عمل النقابة وانتخاباتها، إذ لم يعلن عنه سابقاً ولم يقر من مؤتمر هيئة عامة.

وأعلن النقيب المكلف ناصر أبو بكر، في مؤتمر صحافي مشترك في السابع من ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان ومؤسسة فلسطينيات، تأجيل الانتخابات والذهاب لمؤتمر استثنائي للهيئة العامة بهدف تعديل النظام الداخلي وتحديد موعد جديد لمؤتمر عادي للهيئة العامة. خلق ذلك أزمة جديدة حيث قاطعت كتلة الصحافي المستقل وحراك الصحافيين المؤتمر الاستثنائي، وطالبا بمؤتمر عادي حسب الأصول، وعدم اعتماد النظام الداخلي الجديد للنقابة الذي أقره المؤتمر وفق تجاوزات قانونية كثيرة، منها عدم نشر سجل الصحافيين قبل المؤتمر، ونشر أكثر من نسخة للنظام الداخلي على موقع النقابة الإلكتروني ممّا أدى لإرباك الصحافيين.

ورأى أمين سر النقابة السابق وأحد مؤسسي كتلة الصحافي المستقل، حسام عز الدين، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ المؤتمر الاستثنائي كان "الخدعة الكبرى"، لأنه، بحسب رأيه، "جرى خلال إعادة ترتيب أعضاء الهيئة العامة وإزاحة بعضهم".

وعاد عز الدين إلى التقرير المالي، الذي أعلن خلال المؤتمر العام أول أمس، والذي يظهر إيراد 55400 شيكل (14900 دولار) كرسوم اشتراكات مقدمة لسنة 2023، بينما أعلنت النقابة عن الحق لـ2622 مسددين للاشتراكات ولهم حق الاقتراع، وأن هناك من سقط تمثيله لأنه لم يدفع الاشتراك، مؤكداً أن الاشتراكات في هذه الحالة يجب أن تكون 262200 شيكل (70450 دولارا) إذا ما علمنا أن رسوم الاشتراك السنوي 100 شيكل، وهذا يعني، بحسب قوله، أنّ "المئات لم يسددوا الاشتراكات ورغم ذلك تم اعتمادهم في سجل العضويات".

بالعودة إلى سنة 2022 في التقرير المالي يظهر إيراد 78590 شيكل (21130 دولارا) كاشتراكات ورسوم بطاقات، بينما أعلنت النقابة أن أصحاب حق المشاركة في المؤتمر الاستثنائي حينها المسددين للرسوم 2412، وقياساً على ما قاله عز الدين، يجب أن يكون المبلغ 241200 شيكل (64840 دولارا).

قال أحد منسقي حراك الصحافيين محمد الأطرش لـ"العربي الجديد" إن الأمانة العامة للنقابة عملت خلال الفترة السابقة على العديد من الملفات لضمان نتائج الانتخابات، منها "تعديل النظام الداخلي، وجدول زمني للانتخابات سمح بضخ عدد كبير من الأعضاء بشكل لافت، وإخفاء سجل العضوية وعدم نشره قبل المؤتمر الاستثنائي، ومن ثمّ نشره لأوّل مرة منذ العام 2012، قبيل المؤتمر العام وفق جدول الانتخابات".

اتهم الأطرش النقابة بالعمل على إزاحة الأشخاص الذين تعتقد الأمانة العامة أنهم من الممكن أن يصوتوا ضدها، وبالمقابل استقطاب عدد كبير من العاملين في الإعلام الرسمي، إضافة إلى "أناس لا يمتهنون الصحافة وآخرين لا تنطبق عليهم الشروط للعضوية".

عدّل المؤتمر الاستثنائي شروط العضوية في النظام الداخلي المعدل (2023)، وأتاحها للعاملين في العلاقات العامة في دوائر منظمة التحرير، والعاملين في دوائر إعلامية في مؤسسات غير صحافية، وكتاب الأعمدة والمقالات، وأساتذة الصحافة والإعلام، بينما لم يكن يعطيهم النظام السابق (2011) ذلك الحق، ومما انتقدت به النقابة أن كثيرا ممن تنطبق عليهم تلك الأوصاف كانوا فعلاً قد أعطوا العضوية قبل تعديل النظام، وصوتوا في المؤتمر الاستثنائي على التعديلات التي تتيح لهم الانضمام للنقابة.

واعتبر الأطرش أن ملف العضويات استخدم "لضمان استمرار السيطرة على النقابة"، وهو ما انعكس على نتائج المؤتمرين الاستثنائي والعادي، الأمر الذي أدى إلى مقاطعة حراك الصحافيين الانتخابات، خاصة أنّه سبق ذلك "إجراءات تخالف الأنظمة الداخلية"، ممّا "أعطانا الشعور بأن العملية انتخابية تم هندستها لإعادة الوجوه نفسها"، وهو ما يتعارض مع رؤية حراك الإصلاحية.

وأعلنت النقابة، يوم الثلاثاء، تصويت المؤتمر على تشكيل مجلس استشاري للأمانة العامة لها، وتكليف الأمانة العامة بوضع نظام لإنشاء فروع للنقابة خارج الوطن، ويمكن ربط القرار الأخير بتصويت المؤتمر الاستثنائي يناير/ كانون الثاني الماضي على إقرار إنشاء الاتحاد العام للصحافيين بفروعه في الوطن والشتات.

ورأى عز الدين أن هذا القرار يعيد الأمور إلى حقيقتها من أن النقابة يمكن تصنيفها من ضمن الاتحادات الشعبية التي أوجدتها منظمة التحرير الفلسطينية من الخارج قبل إنشاء السلطة الفلسطينية، وبهذا فإن هذا القرار "يعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل إنشاء السلطة"، مشيراً إلى أنّ الاتحادات "تعبير سياسي وليس نقابيا مهنيا"، منتقداً إنشاء فروع في خارج فلسطين.

وأضاف عز الدين: "هذا الجسم يمكن القول إنه اتحاد الإعلام الرسمي وليس أكثر، ولا أعتقد أنه يمثل كافة الصحافيين الفلسطينيين"، وأكّد أن كتلته "تمسكت بالعمل من داخل النقابة وشاركت بانتخابات عام 2012 وحاربت ما يتعلق بالظهور السياسي في مؤتمرات النقابة".

واعتبر أن ما يجري في النقابة هو تقاسم سياسي، بينما تحتاج إلى تقاسم وظيفي بإعطاء نسب للعاملين في الإعلام الرسمي، وللمصورين الصحافيين، ومصوري الفيديو.

في المقابل لم ترد النقابة على الانتقادات الموجهة لها في بياناتها الرسمية، لكنها نشرت على موقعها في 9 مايو الحالي بياناً باسم الأطر الصحافية داخلها التي شكلت "قائمة شهداء الصحافة الفلسطينية" الفائزة يوم أمس بالتزكية، اعتبرت فيه أنّ "النقابة تتعرض لحملة ممنهجة، تهدف لتعطيل العمل النقابي والتشكيك في شرعية خطواتها".

ورأى البيان أنّ النقابة استجابت العام الماضي لأصوات برزت بينها مؤسسات أهلية تطالب بتأجيل الانتخابات لمنح فرصة إضافية للصحافيين غير المنتسبين، وعقد مؤتمر استثنائي لتعديل النظام الداخلي، مؤكداً أن الأمانة العامة "اتبعت الأصول النقابية والتزمت بروح ونصوص النظام الداخلي".

وشدّد عز الدين على "عدم الاستسلام"، ومواصلة العمل لإنشاء جسم نقابي يمثل كافة الصحافيين ويدافع عن حقوقهم بالدرجة الأولى. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأطرش الذي قال: "نحن لسنا عدميين، ونطمح دائماً لإيجاد حل، وسنستمر في وحراكنا حتى النهاية".

ونشر حراك الصحافيين، الأحد الماضي، ما قال إنّها "رؤيته لإصلاح النقابة" والتي تقوم على دعوة كافة الكتل الصحافية داخل وخارج النقابة إلى حوار معمق برعاية مؤسسات وجهات محايدة، والإعلان عن مرحلة انتقالية مؤقتة لا تزيد عن ستة أشهر، بالتعاون مع المؤسسات الراعية، لمعالجة النظام الداخلي وملف العضوية، على أن يتم الاستناد إلى النظام الداخلي 2011 قبل تعديله، وصولاً إلى تشكيل لجنة عضوية مهنية، وإعلان جدول زمني للانتخابات.

وكان اتحاد الصحافيين العرب قد أصدر بياناً، عبّر فيه عن مبادرته لرأب الصدع بين الصحافيين، وقال: "بالرغم من أن الاتحاد يعتبر مثل هذه الخلافات شأناً داخلياً، إلّا أنّه على استعداد كامل للمساعدة ومحاولة التوفيق بين الأطراف المختلفة من أجل رأب صدع الجسم الصحافي الفلسطيني وإيجاد الحلول التي تحفظ وحدة صف الصحافيين والإعلاميين الفلسطينيين بما يخدم مصالحهم والمصالح العليا للشعب الفلسطيني الأبي".

المساهمون