نزار شهيد الفدعم: فكّرتُ في مهرجان سينمائي يليق ببغداد وناسها

15 يونيو 2023
نزار شهيد الفدعم: انتقالي إلى العمل التلفزيوني سببه قلّة الفرص (من المخرج)
+ الخط -

بدأ المخرج والكاتب العراقي نزار شهيد الفدعم عمله في السينما في منتصف الثمانينيات، بعد تخرّجه من معهد السينما في القاهرة. اشتغل في التلفزيون، مخرجاً أعمالاً درامية وسهرات تلفزيونية، قبل إخراجه أول فيلم روائي طويل بعنوان "العملية 911". كذلك، عمل في ليبيا وعُمان ومصر، كما أسّس مهرجان سومر السينمائي، وكان مديره، وأصدر المجلة السينمائية الإلكترونية سومر. التقته "العربي الجديد" في حوارٍ عن تجاربه الفنية.

بدأت في الثمانينيات، التي تعتبر أعواماً خصبة في الإنتاج السينمائي العراقي، بأول فيلم روائي طويل لك، "العملية 911"، لكنّك توقّفت لاحقاً. ما السبب؟

فترة الثمانينيات لم تكن خصبة، فالأعمال قليلة بسبب دخول العراق الحرب مع إيران، إذْ وُجِّهت موارد البلد وإمكانياته نحو اقتصاد الحرب، وهذا من سوء حظّ السينما في العراق التي كانت مقبلة على تطوّر كبير في إكمال البنى التحتية، والإنتاج. هذا كلّه توقّف، ودخلت السينما العراقية في نفق مظلم، ككل قطاعات الثقافة والفنون. تخرج من حربٍ، وتدخل في أخرى، وحصار اقتصادي أنهك الإنسان، ودمّر البلد.
انتزعت فرصة إخراج "العملية 911" انتزاعاً. لكنْ، حصلت مواقف أثّرت عليّ شخصياً، كمنعه بعد عرضٍ خاص أقيم في "دائرة السينما والمسرح" لصحافيين وسينمائيين، بسبب دوافع شخصية. هذا المنع استمرّ طويلاً فتأخّر عرضه، وبالتالي تأخّر تقديم نفسي مخرجاً سينمائياً حتى عام 1993.
رغم شحّ الفرص في "دائرة السينما والمسرح"، حصلت عام 1992 على فرصة لصنع الوثائقي "الباب"، تعاقدت بعده مع التلفزيون لتحريك عجلة الإنتاج السينمائي "16 ملم"، المتوقفة منذ عام 1984، لإخراج أربعة أفلام، منها "أغنية الطين"، الفائز بالجائزة الأولى في "مهرجان الفيلم الوثائقي" الذي نظّمته نقابة الفنانين، كتبه نوري الراوي، وصوّره شكيب رشيد، والمونتاج لصاحب حداد؛ و"الجزاء"، سيناريو وكتابة التعليق لثامر مهدي، وتصوير سلمان مزعل، ومونتاج حداد أيضاً.

أكان انصرافك إلى الدراما، والتلفزيون عامة، بسبب قلّة الإنتاج السينمائي، أم لرغبتك في العمل التلفزيوني؟

انتقالي إلى العمل التلفزيوني سببه قلّة الفرص، وإذا توفّرت فرص، فالصراع عليها كان شديداً. وبما أنّي لم أكن موظّفاً في "دائرة السينما والمسرح"، فالفرص أمامي كانت ضئيلة، خاصة بسبب السياقات الروتينية المتبعة.
الزملاء في التلفزيون، رغم أنّه دائرة مغلقة على حالها كأي مؤسّسة إعلامية حينها، منحوني الفرصة، خاصة عندما كان فيصل الياسري مديراً له، إذْ حاول استقطاب المواهب والخبرات، ونظّم لي عقد عمل "متعاقد خارجي"، لتشغيل الإنتاج السينمائي في التلفزيون، وإنجاز خمسة أفلام تُصوّر سينمائياً بـ16 ملم، ومواد الخام متوفّرة في المخازن. كانت هذه الخطوة الأولى التي أتاحت لي بلوغ الجمهور، والعمل بشكل متواصل في البرامج والدراما التلفزيونية، فقدّمت على شاشة "تلفزيون بغداد" أفلاماً روائية طويلة، كـ"قطار 2001" للكاتب عبد الأمير شمخي، و"المياه الدافئة" للكاتب صباح عطوان، وسهرات تلفزيونية، وأشرطة وثائقية، وبرامج بأسلوب وصورة سينمائيين واضحين.

عملت في أكثر من بلد عربي، في السينما والتلفزيون. ماذا عن ذلك؟

درست السينما خمسة أعوام في مصر، زاملت فيها سينمائيين مصريين عديدين، كمجدي أحمد علي ووحيد مخيمر وطارق الرزقاني وأحمد مختار ومحسن أحمد وأحمد صقر، وغيرهم. وبفضل "جمعية نقاد السينما" و"نادي السينما"، تعرّفت إلى نقّاد، بينهم سمير فريد وكمال رمزي وعلي أبو شادي وداود عبد السميع. كما دخلت إلى "استديو مصر الأهرام" و"استديو مصر"، وشاهدت تصوير أفلام عدّة، وعشت في كواليس صناعة بعض الأفلام. هذا ساهم بتكويني مخرجاً. لذا، لم أعمل مساعداً لأحد، لأنّ هناك إحساساً قوياً فيّ أهّلني لأكون مخرجاً في بغداد وليبيا وسلطنة عُمان التي عملت فيها بين عامي 1999 و2003، كانت حصيلتها تأسيس قسم الترويج في التلفزيون، وأكثر من 40 تمثيلية درامية تعليمية وتوجيهية، والتحضير لمسلسل كبير، أجهضه العدوان الأميركي على العراق، فتأجّل أعواماً عدّة، قبل تنفيذه مع مخرج آخر، إثر مغادرتي. عام 2007، طُلب منّي إخراج مسلسل "الشطرنج"، مع ممثلين وفنيين من سلطنة عُمان والبحرين والإمارات العربية والهند.

أنت مؤسّس مهرجان سومر السينمائي ومديره. ماذا عنه؟

المهرجان لم يأتِ من فراغ. بالنسبة إليّ، كان قبله "مهرجان أيام السينما العسكرية"، و"مهرجان العراق السينمائي" لدورة واحدة، وكنت مدير المهرجان. قبل هذا، كان هناك من يستشيرني ويطلب مساعدتي في البرمجة، وتشكيل لجان التحكيم، ودعوة الضيوف، واختيار الأفلام. لذلك، عندما فكّرت في إنشاء "مهرجان سومر السينمائي"، أردته مشروعاً متكاملاً: خمسة عروض يومية في الأيام الـ5 لكلّ دورة، ندوات فكرية وفنية، ورش عمل في التصوير والمونتاج والغرافيك والتمثيل. كما أصدرت كتباً، أحدها عن صاحب حداد، المخرج والمونتير المعروف. لكنّ "كورونا" وانسحاب المموّل جعلاني أنهض به مع زميلتي أزهار الشيخلي، مع 34 فيلماً روائياً ووثائقياً طويلاً، اختيرت للمهرجان، الذي لم يحصل على أي تمويل.

ما سبب اندفاعك، رغم المعوقات، لإقامة هذا المهرجان، ورغم ملاحظات كثيرة تثار حول المهرجانات السينمائية؟

جزء من اندفاعي منبثقٌ من تفكيري في كلّ ما يخص السينما. عندما أتوقف عن الإنتاج والإخراج، أفكر في الكتابة والبرمجة وتنظيم العروض. مهرجانات كثيرة مدعومة لم تكن على مستوى الدعم والطموح. لذلك، فكّرت في مهرجان يليق ببغداد وناسها، ويتيح لهم فرصة مشاهدة أفلام من خارج المنظومة التجارية التي اعتادوا مشاهدتها. أفلام من آسيا وأفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية.

وماذا عن مجلة سومر السينمائية التي صدر منها عددان إلى الآن، رغم شحّ المطبوعات السينمائية العربية؟

كتّاب السينما قليلون، والكتابات عن هذا الفن قليلة. من أهداف المهرجان إصدار مجلة سينمائية فصلية، فقرّرت إحياءها باستثمار علاقتي بكتّاب ونقّاد سينمائيين. المجلة مشروع ثقافي تطوّعي غير ربحي. وجّهت دعوة الكتابة فيها إلى أصدقاء في دول كثيرة، واخترت أنْ تكون إلكترونية لتصل إلى أمكنة مختلفة بسهولة، وبأقلّ تكلفة ممكنة. والآن يُحضّر العدد الثالث.

ما مشاريعك المقبلة؟ أهناك مشروع لإنتاج فيلم روائي، والاستفادة من موقعك في شركة عشتار للإنتاج السينمائي؟

مجلة سومر أصبحت مشروعاً مفتوحاً، ولدي ثلاثة نصوص لأفلامٍ روائية أبحث عمن يُموّلها: الأول عن الشاعر عبد الوهاب البياتي، لكنّه لا يتعلّق بحياته وسيرته، بل بتجربته الشعرية، والثاني عن سعيد بن جبير، والثالث عن هجرة اليهود من العراق عام 1951، وما رافقها من أحداث. أما شركة عشتار فبيعت، وجرى تحويلها إلى شركة ناجحة في الإرسال والنقل التلفزيونيين.

ماذا ترى في المشهد السينمائي العراقي؟

إذا لم تدعم الحكومة الإنتاج السينمائي والبنى الأساسية، من دور عرض في كلّ العراق، وتأسيس مدينة للإنتاج الإعلامي، لن تكون هناك سينما، بل أفلام تعتمد على سياسة التمويل الخارجي، ولا تعكس غالباً هوية عراقية حضارية، بل وجهة نظر مموّليها. بالتالي، ستضلّ طاقات وإمكانيات شابة طريقها، وتصبح ترساً في الإنتاج السينمائي الأجنبي.

المساهمون