في 16 ديسمبر/ كانون الأوّل الحالي، أطلقت منصّة "نتفليكس" مسلسلاً وثائقيًا عنوانه "السفّاح" The Ripper موزّعاً على أربع حلقات، من إخراج جيسي فايل وإيلينا وود.
يتناول المسلسل قصّة أكبر سفاح أدخل الرعب إلى منطقة يوركشاير في شمال المملكة المتّحدة، إذْ قتل 13 امرأة بطريقة وحشيَّة، علمًا أنّ كثيرًا من المراقبين يتوقّعون أن يكون الرقم أعلى من هذا بكثير.
المثير في قضيّة هذا القاتل التسلسلي هو طريقة تعامل الشرطة والصحافة والإعلام مع الضحايا، إذْ حاولت الشرطة تصوير القاتل بأنّه يستهدف العاملات في الجنس فقط. ولأنَّ المنطقة التي كانت تحدث فيها الجرائم مشهورة بقوّة التيار الاجتماعي المُحافظ فيها، فإنَّ الناس لم يكونوا يهتمون أبدًا بالضحايا، باعتبارهم "عاهرات"، بل إنّ كثيرًا من المقالات والآراء التي كانت الصحافة تنشرها في ذلك الوقت كانت تلوم النساء اللاتي يعملْن في هذه المهنة بأنّهنّ "يعرّضن أنفسهن للخطر".
وهنالك تصريح مشهور لرئيس دائرة التحقيق الذي كان مسؤولاً عن القضيّة، إذ قال: "على النساء أن يبقين في بيوتهنّ إن كنّ يردْن البقاء أحياء". ورغم أنّ المشتبه به الأساسي قد تعرّض للاستجواب والتحقيق أكثر من مرّة، إلا أنَّه تمكّن من خداع الشرطة.
بيتر وليام ساتلكيف الذي قام بكلّ عمليات القتل هذه بين عامي 1975 و1980 لم يثر انتباه الشرطة على الإطلاق، وأضفت الصحافة طابعاً أسطورياً ملحمياً على شخصيّة القاتل، الأمر الذي أدّى إلى إبعاد الشبهات تماماً عن ساتلكيف، سائق الشاحنة المتواضع الذي لا تتطابق مواصفاته الشخصيّة مع السمات "الخارقة" التي يجب على قاتل متسلسل أن يمتلكها.
في 22 مايو/ أيار من عام 1981، أدين ساتلكيف بجرائم القتل من الدرجة الأولى، بعد أنْ اعترف بها حرفيًا ووصف بدقة كيف قام بتلك الجرائم البشعة. ولعلّ الضربة الأعمق التي تعرّضت لها الشرطة هي أنَّ ساتلكيف لم يكن يستهدف العاملات في الجنس فقط، بلْ المرأة كوجود وكيان، كما قال هذا الأمر علنًا في اعترافاته.
وفي الإفادة الوحيدة التي قدّمها ساتلكيف أمام هيئة المحلفّين أثناء محاكمته، ادّعى الجنون والانفصام والاضطراب وبأنّه كلِّف بمهمّة من الرب عندما سمع صوتًا من المقبرة أثناء عمله حفارًا للقبور. وهذه المهمة هي: "القضاء على العاهرات".
الرجل الخبيث الذي اعترف بأنّه يقتل كل النساء استغلّ المحافظة الاجتماعيّة وغباء الشرطة كي يحصل على تعاطفٍ اجتماعي ما في ادّعاء محاربته لـ "الانحلال الأخلاقي". ولكنْ هيئة المحلّفين لم تأخذ هذه التمثيلية بعين الاعتبار، وحكمت عليه في سجن مشدد الحراسة.
لكنْ ساتلكيف تمكّن من إقناع مديري السجن بأنّه "مجنون فعلاً"، ونقل إلى مصحٍّ نفسي، فيه شروط حياة أفضل، الأمر الذي أثار غضبًا شديدًا من ذوي الضحايا.
في لقاء مع ناجية لم يتمكّن ساتلكيف من الإجهاز عليها، قالت إنّها عرفت بالمطلق بأنّه من هاجمها هو سفاح يوركشاير، ولكنها لم تشتك لدى الشرطة، بل إنّها تستّرت على الموضوع، لأنّها سفاح يوركشاير، كما سُوِّقَت القناعة، يقوم بقتل العاهرات فقط، وفضّلت الصمت على أنْ يشار إليها كعاهرة!