يعود الأمير هاري وزوجته ميغان ماركل ليحتلا عناوين الصحف البريطانية والعالمية، مع بثّ منصة نتفليكس الحلقات الست للوثائقي الذي يروي قصّتهما. ربما هي محاولة منهما لدحض ما نشرته وسائل الإعلام البريطانية التي شوّهت سمعة ماركل تحديداً، بيد أنّ النتائج جاءت عكس التوقعات، إذ يبين استطلاع رأي لشركة يوغوف أنّ شعبيتهما تراجعت أكثر بين البريطانيين بعد بث الحلقات الأولى من الوثائقي. يظهر الاستطلاع أيضاً انخفاض شعبية الأعضاء البارزين في العائلة المالكة منذ نوفمبر/تشرين الثاني.
يأتي هذا الوثائقي في لحظة حاسمة للنظام الملكي البريطاني، إذ يحاول الملك تشارلز الثالث أن يبرهن أنّه لا يزال لهذه المؤسسة دور تلعبه حتى بعد وفاة الملكة إليزابيث الثانية. وسعى خلال الأيام الأولى من توليه الحكم أن يبرز هذا الدور من خلال لقاء العديد من المجموعات العرقية والمعتقدات التي تشكل بريطانيا الحديثة، ليثبت أنّ المؤسسة يمكن أن تساعد في توحيد دولة متنوعة.
تخلو الحلقات الثلاث الأولى التي نشرتها "نتفليكس"، في 8 ديسمبر/ كانون الأول، من أي مفاجآت صادمة. وهي تتمحور حول لقاء الأمير بميغان ماركل في لندن عام 2016 وكيفية تطوّر علاقة الحب بينهما. كذلك تتطرّق إلى علاقة العائلة المالكة بالصحف الشعبية، وتسلّط الضوء على تاريخ العنصرية في الإمبراطورية البريطانية واستمرارها ولو بأوجه مختلفة. لكنّها أمور تحدّثا عنها خلال لقائهما الذي استمرّ ما يقارب الساعتين مع أوبرا وينفري عام 2021. ويعتمد سرد هذه القصص على مقابلات مع الزوجين وأصدقائهما وخبراء في الإثنيات والأعراق ووسائل الإعلام.
لكنّ اللافت أنّ الوثائقي لا يتضمن أي أصوات معارضة، ولا يوجد فيه أيّ ردّ أو تعليق من أي من المؤسسات الإعلامية المذكورة. يبرّر الزوجان، في هذه الحلقات، ابتعادهما عن الحياة الملكية منذ ثلاث سنوات تقريباً وانتقالهما إلى جنوب كاليفورنيا، بعدم تعاطف المؤسسة الملكية مع المعاملة والتغطية السيئة لوسائل الإعلام التي طاولت ميغان ماركل بشكل خاص. ويلفت هاري، خلال الحلقات، إلى أنّ هذه المعاملة ذكّرته بالطريقة التي عوملت بها والدته الأميرة ديانا، قبل وفاتها في حادث سيارة أثناء ملاحقة المصورين لها. يعرض الوثائقي كيف يعتقد هاري وضيوف المسلسل الآخرون أنّ القصر مسؤول جزئياً عن معاملة وسائل الإعلام، لأنه منح امتياز الوصول إلى 6 صحف تشعر أنه يحق لها معرفة تفاصيل حميمة عن أفراد العائلة المالكة، لأنّ دافعي الضرائب البريطانيين يمولون حياتهم.
بعد عرض الحلقات الثلاث الأولى على "نتفليكس"، أثيرت تساؤلات حول تجريد هاري وميغان من ألقابهما، لكن قال المطلعون على شؤون العائلة المالكة إنه من غير المرجح أن يجرد الملك تشارلز دوق ودوقة ساسكس من لقبيهما اللذين حصلا عليهما من الملكة الراحلة إليزابيث الثانية، في يوم زفافهما 19 مايو/ أيار 2018. مع ذلك، غرد الصحافي والمذيع بيرس مورغان قائلاً: "يحتاج الملك تشارلز إلى تجريد هذين الجرذين السامّين من جميع الألقاب والروابط المتبقية بالعائلة المالكة، ويجب أن يفعل ذلك بسرعة قبل أن يدمرا النظام الملكي".
وعلى النقيض من الحلقات الأولى، تضمنّت الحلقات الثلاث الأخيرة التي بثتها "نتفليكس" في 15 ديسمبر "قنابل صادمة"، إذ يتحدّث هاري في الحلقة الخامسة عن صراخ ويليام عليه خلال اجتماعهم لمناقشة مغادرته وميغان للعائلة المالكة. ويقول: "كان أمراً مرعباً أن يصرخ أخي في وجهي ويقول والدي أشياءً لم تكن صحيحة ببساطة، بينما تجلس جدتي بهدوء". كذلك، يشير هاري في وقت لاحق إلى بيان مشترك صدر ينفي شائعات عن "تنمّر" ويليام على هاري وميغان ليغادرا العائلة المالكة. وتضمّن البيان اسم هاري الذي يقول إنّه لم يكن على علم بوجود أي جزء من البيان. ويتابع: "لم أصدّق ذلك، لم يطلب مني أحد الإذن بوضع اسمي على بيان من هذا القبيل".
يقول هاري إنّه عندما أخبر ميغان بالأمر بكت بشدّة، لأنّها اعتبرت أنّهم في غضون 24 ساعة تحرّكوا لحماية سمعة ويليام حتى عند اضطرارهم للكذب، بينما تركوها تعاني لمدّة ثلاث سنوات مع الصحافة من دون أن يتحرّك أيّ منهم لحمايتها هي وهاري بقول الحقيقة.
وتشارك ميغان تفاصيل علاقتها الوثيقة بالملكة، فتقدم صوراً لم تعرض من قبل ليوم زفافها في الحلقة الرابعة، وتتحدّث عن إجهاضها عام 2020 في الحلقة السادسة. ونرى هاري متعاطفاً بوضوح مع زوجته ويلقي بالملامة على التوتر الذي عانت منه بعد قضية تسريب الصحيفة لرسالتها إلى والدها. ويقول: "زوجتي تعرضت للإجهاض بسبب الرسالة. لقد شاهدت الأمر برمته. الآن، هل نعرف تماماً أن سبب الإجهاض هو ذلك؟ بالطبع نحن لا نعلم". لكنّه يضيف: "لكن مع الأخذ في الاعتبار الضغط الذي تسببت به وقلة النوم وتوقيت الحمل وعدد الأسابيع، يمكنني القول مما رأيته أنّ الإجهاض ناتج عما كانوا يحاولون فعله بها".
وتكشف ميغان أنّها عملت بنصيحة الملكة عندما كتبت الرسالة إلى والدها توماس، لكنّها فوجئت بتسريبها إلى الصحافة. ويقول الزوجان إنّ قرارهما بمقاضاة الصحيفة لتسريبها الرسالة كان نقطة البداية لانهيار علاقتهما بالعائلة المالكة. تقول ميغان: "تغير كلّ شيء بعد ذلك. كانت هذه القضية هي الحافز على الأرجح لكلّ الانهيار".
يقترح الوثائقي أيضاً من خلال مقابلات مع صديقة الزوجين لوسي فريزر أن الأمور بدأت تسوء بعد أول جولة ملكية للزوجين إلى أستراليا عقب فترة وجيزة من زفافهما، حيث رأت العائلة المالكة مدى شعبية هاري وميغان. تقول فريزر: "كانت الأجزاء الداخلية في القصر مهدّدة بشكل لا يصدق من جراء ذلك".
وعلى الرغم من الحقائق أو المزاعم التي كشف عنها الوثائقي، لا يزال المقيمون في قصر باكنغهام هادئين وصامتين.
الوثائقي ينتهي بملاحظة سعيدة، إذ تقرأ ميغان الخطاب الذي ألقته في حفل زفافها، وتظهر وهي تتحدث عن نفسها وعن هاري بضمير الغائب، وتقول: "سيحبان بعضهما البعض، ويتنزهان، ويسافران، ويضحكان، ويقطعان أميالًا جوية أكثر مما يمكن أن يحصل عليه أي زوجين". وقد جذب مشاهدات وصلت إلى 81.55 مليون ساعة، ليعدّ الوثائقي الأكثر مشاهدة على "نتفليكس" في غضون أسبوع.