استمع إلى الملخص
- **الواقع الصحي والاعتقالات**: الطبيبة ريم أبو خاطر تسلط الضوء على نقص الأدوية في غزة ومعاناة المعتقلات الفلسطينيات، حيث اعتقل الاحتلال 142 امرأة وقتل عشرة آلاف امرأة منذ بداية العدوان حتى مايو 2024.
- **تحديات إنتاج الفيلم**: المخرجة ناهد أبو طعيمة والمصور مؤمن القريناوي يصفان صعوبات إنتاج الفيلم وسط الحرب، بما في ذلك التنقل والبحث عن الشخصيات المناسبة، وتدمير المؤسسات الإعلامية في غزة.
عبر حكايات من قلب قطاع غزة، خلال حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة عليه، وعلى لسان عدد من نسائه اللواتي يعشن يوميات هذا العدوان، أُنجز الفيلم الوثائقي القصير "ناجيات من الرماد"، للمخرجة الفلسطينية ناهد أبو طعيمة، وأنتجه الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، بتمويل من مؤسسة CISS الإيطالية، عن نص للمخرجة شاركها في كتابته فارس سباعنة وسنابل قنو.
في متحف ياسر عرفات في مدينة رام الله، كان العرض الافتتاحي لفيلم "ناجيات من الرماد" حيث شاهد الحاضرون سرديات بصرية متعددة، كحكاية النازحة إلى مخيم الأقصى، مي خطّاب، مع طفلتها حديثة الولادة، ومعاناتها على أكثر من صعيد، جراء نقص الغذاء والدواء، علاوة على الماء والكهرباء، إضافة إلى القصف اليومي، والنزوح المتواصل لأكثر من مرّة. أمّا أم عامر المصري، فتحدثت عن النزوح المتكرر، وما يرافقه من معاناة جعلت من حيوات الغزّيات نكبة تلو الأخرى، فما أن تحاول وأسرتها الاعتياد على منطقة النزوح الجديدة، حتى يتنقلوا بحثاً عن منطقة جديدة، ليبدأ فصل من معاناة أخرى.
لم تفارق الدموع وجنتي سماح النزلة، التي تحدثت عن استشهاد أبنائها، إناثاً وذكوراً، أطفالاً ويافعين، وعن فقدان حتى الاحتياجات النسوية الخاصة من فوط صحية وغيرها، علاوة على فقدان كل مظاهر الحياة الطبيعية، منذ اليوم التالي للسابع من أكتوبر/ تشرين الأول، لتعبّر عن حالتهن بوضوح، وإن بصوت مبحوح: "إحنا النساء تدمّرنا.. فش إلنا وجود صار". ومن داخل خيمتها، تطرّقت سناء البريم إلى الرحلة اليومية الصعبة في تأمين الغذاء، ولو بحده الأدنى لأفراد الأسرة، والعودة إلى الطرق البدائية في الطهي، إن توفرت المواد الخام لصناعة وجبة تسد رمقهم، بينما تحدثت أخرى من داخل مدرسة تحوّلت مركزاً للنزوح، عن طفلتها التي تقضي جلّ يومها في البحث عن طعام لها ولإخوتها.
الطبيبة ريم أبو خاطر، ومن داخل ما تبقى من شبه صيدلية أنشأتها في مخيم نزوحها في رفح، بعد أن تأكدت من تدمير صيدليتها الأم، وضعت المشاهدين في ضوء الواقع الصحي الكارثي على مستوى النقص الحاد في الأدوية، حدّ فقدان كثير من الأصناف الأساسية، ما يهدد حيوات المرضى، ويدفعهم باتجاه موتٍ مؤكد.
وسلط "ناجيات من الرماد" الضوء على المعتقلات من غزة، بدءاً من الصورة الشهيرة التي أظهرت امرأة معصوبة العينين، في عربة لجيش الاحتلال الإسرائيلي، معتقلة بين عشرات الرجال بعد تعريتهم. يتضمّن الوثائقي إشارة إلى أن تقارير الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تؤكد تعرّض المعتقلات الفلسطينيات من غزة تحديداً للاغتصاب، ولأشكال متعددة من الاعتداءات الجنسية، إذ اعتقل الاحتلال، منذ بداية العدوان حتى نهاية مايو/أيار 2024، ما يقارب 142 امرأة. وأشارت إحصاءات سردتها المخرجة بصوتها في "ناجيات من الرماد"، إلى أن عشرة آلاف امرأة قتلهنّ الاحتلال في حرب الإبادة المتواصلة على قطاع غزة، وإلى أنه في حال استمرار الحرب، سيتواصل قتل 63 امرأة يومياً بالمتوسط الحالي، منهن 37 أمّاً كل يوم، ما يعني تدمير حياة أسرهن، وخاصة أطفالهن، وإلى تعرض نسبة كبيرة منهن إلى الإعاقات التي طاولت 12 ألفاً من الجنسين. وأشارت إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمرأة (نقلها الفيلم)، إلى أنه منذ السابع من أكتوبر، نزح قرابة مليوني نسمة، بينهم نحو مليون امرأة وفتاة في غزة، حتى نهاية الشهر الخامس من العام الحالي، والسابع من الحرب المتواصلة حتى الآن.
في حديث إلى "العربي الجديد"، تقول المخرجة ناهد أبو طعيمة: "لم يكن إنجاز الفيلم سهلاً، على أكثر من صعيد، فكان صعباً تنقّل فريق التصوير في غزة إلى حيث النساء المُراد التصوير معهن، علاوة على رفض العديد منهن فكرة التصوير أساساً"، مشيرة إلى أن المصوّرين، ولفرط التأثر بحكايات النساء اللواتي ظهرن في الفيلم، كانوا يوقفون التصوير كثيراً، لعدم قدرتهم على الاستمرار، رغم أنهم يتقاسمون المعاناة نفسها، أو لانهيار النساء نفسهن، ودخولهن في موجات لا تتوقف من البكاء، إضافة إلى أن تدمير غالبية المؤسسات الإعلامية في القطاع، جعل الحصول على تسجيلات فيديو أرشيفية لقطاع غزة ما قبل الحرب صعباً للغاية.
بدوره، يلفت مصوّر الفيلم، مؤمن القريناوي، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أن صعوبة إنجاز فيلم في ظل الحرب كبيرة للغاية، بدءاً من البحث عن الشخصيات المراد ظهورها فيه، واعتمادها باعتبارها حالات معبّرة، خاصة أن لكل سيّدة في غزة حكاية بحد ذاتها، وكان الهدف البحث عن عمق القصة، بمعنى تأثير الحرب في هذه السيدة أو تلك، أو أسرتها، وكيف تعاملت مع التحديات غير المسبوقة، من فقدان متواصل للأحبة، وولادة في المشافي أو خارجها تحت القصف، مشيراً إلى أن التنقل كان من أصعب التحديات، لإجراء المقابلات، خاصة بين الخيام.
وفي السياق، تحدث منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الشرق الأوسط مهند هادي، الجمعة، نيابة عن نساء غزة وأطفالها أمام مجلس الأمن الدولي، قائلاً: "إني مضطر إلى رؤية ولدي يموت جوعاً"، واصفاً أوضاعاً "ستلازمنا جميعاً" لأجيال. وقال مهند هادي عبر الفيديو من القدس، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول الوضع في القطاع: "اسمحوا لي بأن أنقل إليكم بعض الشهادات من غزة: في ملجئي أسمع استغاثة النساء طوال الليل، ونستيقظ كل يوم فقط لتأمين المأكل والمشرب، ولقد أمضيت أربعة أشهر من دون أن أستحمّ، وعلينا قصّ شعرنا بسبب القمل وعدم توافر الشامبو". وأضاف: "هذه عيّنة عما روته لي نساء عندما التقيتهنّ في دير البلح (وسط قطاع غزة) في التاسع من يوليو/ تموز". وحذر من أن "العديد من النساء تراودهن أفكار في الإقدام على الانتحار. ومعاناتهن الكبرى، خصوصاً كأمهات، هي عدم قدرتهن على حماية أطفالهن".