تقضي المُسنة الفلسطينية آمنة الفقيه ساعات طويلة خلال يومها داخل كوخ قديم صُنع من الطين قبل ما يزيد عن العقدين، يحتوي على مقتنيات عتيقة، وترى أنها تعيش أسعد لحظاتها في تلك الأجواء التراثية.
ويضم الكوخ ذو الهيأة القديمة أدوات تراثية وقطعاً أثرية، تعود إلى عهود وعصور مضت، فيما تواصل الفقيه العناية به، منذ ساعات الصباح الباكر حتى حلول ساعات المساء، إذ بات المكان، بمختلف محتوياته، جزءًا لا يتجزأ من حياتها، وتفاصيل يومها. ويزداد شغف السيدة الثمانينية التي تقطن حي التفاح شمالي مدينة غزة بالكوخ يوماً بعد الآخر، إذ بدأت قبل عقدين من الزمن، وبمساعدة ابن شقيقها محمد، بتجميع القطع الأثرية والتراثية القديمة، بعد أن تم بناء الكوخ على النمط المعماري القديم.
وقد تم الاعتماد بشكل أساسي على الطين والقش في بناء المكان، ما أضفى عليه رونقًا متناغمًا مع عراقة وقيمة القطع القديمة التي تزين الجدران والرفوف. ويتخذ الكوخ، الذي تم ترميمه مؤخرًا، شكلًا هندسيًا مربعًا، يعلوه سقف مصنوع من الطين، يستند إلى جسور حديدية، فيما تمت زراعة سطح السقف مثلث الشكل بحبوب الشعير والقمح، لإكمال المشهد، وقد أحيط الكوخ من الخارج بعدد من أشجار الزينة وأشجار الحمضيات المُثمرة، والشجيرات الصغيرة.
ويحتوي الكوخ من الداخل على السيوف والخناجر القديمة، سلال القش والخيزران، بكارج ودِلال القهوة، بابور الكاز، قنديل الكاز، وهو وعاء زجاجي يحتوي على مادة مشتعلة وفتيل للإضاءة، صناديق خشبية، سرج الخيل، جرن الكبة، طاحونة القمح والشعير، طاحونة القهوة، محراث، أفران الطينة، أواني فخارية، وإلى جانبها مختلف الأدوات المطبخية النحاسية، وأدوات الزينة النحاسية، والساعات الخشبية والموازين النحاسية. وتضفي ملامح المُسنة، التي رسمت بتجاعيدها تفاصيل حُبها للكوخ، ميزة إضافية على المكان القديم، بمحتوياته، إذ بدا المشهد متناغمًا ومتكاملًا كصورة من صور زمن الحكايات، بعُمرها المتقدِم، مع عبق القِدم المُنبعث من الجدران والأدوات التي يحتويها المكان.
وتقول الثمانينية أم محمد الفقيه لـ "العربي الجديد" إنها نشأت في بيئة مُحافظة على التراث الفلسطيني، وعلى البيوت التراثية المصنوعة من الطين، والتي تجسد بمجملها التاريخ والحضارة المُطعّمة بالملامح التراثية، ولا يكتمل مشهدها سوى ببيوت الطين. وعلى الرغم من بناء العائلة بيتًا من الباطون، إلا أن الفقيه أصرّت على بناء كوخ من الطين في الأرض المُقابِلة، تحاول من خلاله الحفاظ على إرث الأجداد "الذي تشعر من خلاله براحة نفسية كبيرة، تذكرها بأيام الصِبا وتفاصيل الماضي"، إلى جانب أنه المشهد الأنسب للمقتنيات القديمة، والتي ورثت حُب تجميعها عن والدها، وقامت بتوريثه لأبنائها وأحفادها، حفاظًا على التراث الفلسطيني القديم.
وعن ميزة أكواخ الطين، توضح أنها تتمتع بطبيعة باردة في فصل الصيف، ودافئة في الشتاء بفعل سُمك الجُدران، إلى جانب أنها "رمز من الرموز التراثية والوطنية، فيما يؤكد الحفاظ عليها أحقية الشعب الفلسطيني في الأرض، وعلى أهمية وجوده عليها".
وتبدأ الفقيه يومها منذ ساعات الفجر الأولى، بالصلاة وتناول طعام الفطور، والتوجه إلى الكوخ لتفقده والعناية به وبمقتنياته، حفاظًا على شكله الداخلي والخارجي، فيما تستقبل فيه أقاربها وضيوفها، ويعدون الطعام، ومن ثم يتناولون الحلوى، ويتجاذبون أطراف الحديث، حتى ساعات المساء. ويرجع سبب تمسك أم محمد بالكوخ إلى أن الفلسطينيين بمختلف شرائحهم العُمرية ما زالوا محافظين على التراث، في ظل مُحاربة الاحتلال الإسرائيلي كل أشكال التراث الفلسطيني، بما يحتويه من آثار ومقدسات وتطريز، وأكلات شعبية، ورموز وطنية، وغيرها، في المحافل كافة.