بثت شبكة "نتفليكس"، أخيراً، عرض ستاند أب كوميدي، يحمل عنوان "مو عامر: محمد في تكساس"، للمؤدي الكوميدي الفلسطيني - الأميركي محمد عامر. هذا العرض هو الثاني الذي تبثه "نتفليكس"، بعد ثلاث سنوات من بث الأول، الذي يحمل اسم Mo Amer: The Vagabond.
يفتتح دوين جونسون عرض "محمد في تكساس"، إذ يظهر في فيديو مسجل من الصالة الرياضية، ليقدم للكوميديا، مطرياً عليه وعلى قدرته الكوميدية، ليعتلي بعدها محمد الخشبة مستعجلاً مرتبكاً كحالتنا جميعاً في ظل الوباء، مقدماً مونولوغاً طويلاً وموتوراً ومضحكاً عما يحصل في العالم، والتناقضات التي ترافقت مع رعب دائم من كوفيد، والإفلاس، ثم حل مشكلة الإفلاس، ثم اللقاح، ثم العملات الرقمية ثم الـNFT، وعدد لامتناه من الجرعات... كل هذا يتدفق، وكأن محمد يستعيد دوامة ما شهدناه العام الماضي، مشيراً بوضوح إلى الشعور الذي ينتاب كثيرين؛ ضيق في التنفس ورغبة في الصراخ ولكمة موجعة في البطن، لم ينته ألمها منذ عامين.
يحدثنا محمد بعده عن لقائه مع ديف شابيل، واشتباهات أن واحداً منهما أصاب الآخر بـ كوفيد 19، في حين تتنوع باقي موضوعات العرض حول ما يمكن توقعه من كوميدي عربي-أميركي في الولايات المتحدة؛ إذ نسمع عن بلاغة الشتائم العربية بالمقارنة مع تلك الإنكليزيّة، لينتقل بعدها إلى علاقته مع من حوله في تكساس، المعروفة بعنصريتها تجاه الأجانب، وانتشار المتعصبين البيض فيها. مع ذلك، يقول محمد إنه لم يواجه ما هو إشكالي، بل ويرسل تحية لجاره المستعد لمساعدة الجميع على اختلافهم في حال ضرب إعصار المنطقة.
لا يمكن لأي كوميدي عربي في الولايات المتحدة أن يتجاهل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وهذا ما نتلمسه حين يقول محمد إنه حان الوقت للحديث عن ذلك، ليستعيد حكايات عما شهدته الجالية العربية في الولايات المتحدة بصورة خاصة. يخبرنا محمد عن أخيه الذي سخر منه قائلاً إن مسيرته المهنية انتهت، لأنه "لا يوجد أميركي يريد أن يسمع مسلماً يلقي النكات". هذا الأخ ذاته يتجاهل حقيقة أنه طيار، ولن يسمح أحد له بعد ما حصل بأن يقترب من طائرة. هذه المفارقات ليست بالجديدة، وهنا نلاحظ أن محمد يقرب ما هو تقليدي في ما يخص هذا الموضوع.
الفقرة الأكثر إثارة للاهتمام في العرض، والتي أُثارت استغراب الجمهور تتعلق بالحمص؛ إذ يتحدث محمد بوضوح عن محاولات الاحتلال الاسرائيلي "امتلاك" الحمص ونسبه إلى أنفسهم، بل يتوجه إلى اليهود، بقوله إن الحمص ليس ملكهم، كونهم لا يجيدون لفظ حرف "الحاء"، لينتقل بعدها إلى كل محاولات تقليد الحمص، وتغيير أسلوب أكله، ليعطي الجمهور بعدها درساً كوميدياً وساخراً في كيفية صناعة الحمص، ثم كيفية أكله، ثم تكوينه الدقيق، نافياً كل ما يتم تقديمه على أنه من مسحوق الشوندر، ومسحوق العدس، وغيرها من منتجات يقول محمد بوضوح إنها "ليست حمّصاً".
لا يمكن إنكار قدرة مو عامر على الإضحاك، أو أدائه المميز على الخشبة، لكنه لم يكسر أيا من توقعاتنا، بل قدم بصورة لطيفة كل ما يخطر على البال حين نقرأ العنوان "محمد في تكساس".
ربما يحاول مو أن يُحيي صوت الجالية المسلمة في الولايات المتحدة، والذي يظهر بوضوح ضمن توجه نتفليكس لاحتواء "الجميع"، لكننا لا نعلم إلى أي حد سيستمر الشاب في توظيف "أنه مسلم وعربي" ضمن عروضه الكوميدية. خصوصاً أن هذا الشكل بلغ أوجه مع الكوميدي الهندي- الأميركي راسل بيترز، الذي تقوم عروضه على المفارقات بين الجنسيات المختلفة، أي بصورة أخرى: هل سَيُحصَر أو سَيَحْصُر مو عامر نفسه في إطار "المسلم العربي" الذي لن يقدم سوى المفارقات بين المهاجرين و"البيض"؟ أم سيوظف مواضيع جديدة تتجاوز هذا الاختلاف السياسي والثقافي؟