ربما لم يحظ عمل في تاريخ الفن بمثل الاهتمام الذي حظيت به لوحة موناليزا لفنان عصر النهضة ليوناردو دافنشي، التي تمثل أحد أكثر الأعمال الفنية انتشاراً وشهرة في العالم.
أحيطت هذه اللوحة بفرضيات كثيرة حول صاحبة الوجه المرسوم، حتى إن بعضها قد اتسم بالمبالغة بادعاء أن اللوحة تمثل صورة شخصية لدافنشي نفسه متخفياً في هيئة امرأة.
غير أن النسبة الأكبر من الباحثين تتفق اليوم على أن المرأة التي تظهر في اللوحة هي سيدة من فلورنسا تدعى ليزا غيرارديني، وقد رسمها دافنشي بتكليف من زوجها فرانشيسكو ديل جيوكوندو في مطلع القرن السادس عشر.
في كتابه "تراث دافنشي" المترجم إلى العربية، يُرجع الكاتب الألماني ستيفان كلاين هذا الاهتمام الكبير باللوحة إلى ما أثير حولها من قضايا وإشكاليات. يرى كلاين أن هذه الإشكاليات التي أثيرت حول اللوحة قد ساهمت في تشكيل السيرة الأسطورية لهذا العمل وصاحبه، إلى حد أصبحت الحكايات التي يجري تداولها حول "موناليزا" أكثر إثارة من اللوحة نفسها.
ويتجدد الاهتمام باللوحة وتتصدر أخبارها عالم الفن من وقت لآخر بحكاية جديدة مختلفة في كل مرة. أحدث هذه الحكايات تتعلق بظهور نسخة أخرى من اللوحة الشهيرة تعرض هذه الأيام في غاليري Promotrice delle Belle Arti في مدينة تورينو الإيطالية.
قد يبدو الأمر عادياً، فقد ظهرت نسخ كثيرة من اللوحة خلال العقود القليلة الماضية، حتى إن بعضها يحظى بالتقدير داخل مؤسسات ومتاحف مرموقة. من بين النسخ الشهيرة لـ"موناليزا" تلك المعروضة في متحف ديل برادو في مدريد، ويقال إنها تعود لأحد تلاميذ دافنشي المعروفين.
غير أن اللوحة الأخيرة المعروضة في إيطاليا تختلف عن هذه النسخ جميعها، فهي ليست نسخة مطابقة لعمل دافنشي، والسيدة صاحبة الابتسامة الشهيرة في اللوحة الأصلية تبدو هنا أصغر سناً.
يؤكد أصحاب اللوحة أن دافنشي قد رسمها قبل عشر سنوات من إنجازه للعمل المعروض في متحف اللوفر. يستعين هؤلاء المالكون بالعشرات من الوثائق والشهادات وآراء الخبراء والفحوص الكيميائية لإثبات ما يقولونه.
نُظمت لهذا العمل ثلاثة معارض من قبل، كان أولها في سنغافورة عام 2014 ، ونظم المعرض الثاني في الصين، أما الثالث فكان في فلورنسا في إيطاليا في إطار إحياء الذكرى الـ500 لرحيل دافنشي.
وها هي اللوحة تعود مرة أخرى إلى إيطاليا من خلال هذا المعرض الذي يحمل عنوان "الموناليزا الأولى". سيستمر المعرض حتى 26 مايو/ أيار المقبل، ويقام في قصر أثري مخصص للعروض الفنية يعود إلى القرن الثامن عشر.
لا يقتصر المعرض على عرض اللوحة وحدها، إذ يشمل عدداً من العروض والوسائط المختلفة المتعلقة بها، كالأفلام الوثائقية والعروض التوضيحية وغيرها من المواد الموزعة على ثماني مساحات عرض.
اللوحة المُشار إليها كان قد اشتراها أحد النبلاء الإنكليز في القرن الثامن عشر من إيطاليا، وانتقلت ملكيتها بعد ذلك إلى تاجر لوحات إنكليزي عام 1913، ثم بيعت بعدها إلى مقتنٍ أميركي في ثلاثينيات القرن الماضي، حتى انتقلت ملكيتها أخيراً إلى اتحاد من المستثمرين.
ظلت اللوحة قابعة في مخزن مصرف في سويسرا قرابة أربعين عاماً، حتى ظهرت في معرض سنغافورة في أول ظهور علني لها. تستقر اللوحة حالياً في مؤسسة موناليزا في سويسرا حيث تعرض بشكل دائم، وهي مؤسسة أنشأها مالكو اللوحة خصيصاً لها عام 2012 .
أمين عام المؤسسة جويل فيلدمان يرى أن كل الدلائل تشير إلى أن العمل أصيل لليوناردو دافنشي. ويقول إن "اللوحة تظهر فيها الخلفية الطبيعية نفسها الموجودة في اللوحة الأصلية، ولكن يضاف إليها عمودين على الجانبين يؤطران المشهد، وهما ليسا موجودين في اللوحة المعروضة في اللوفر".
في مقابل هذه التأكيدات وآراء الخبراء الداعمين لرؤية هذه المؤسسة، هناك آخرون يرون أن مثل هذه العروض والتصريحات ليست إلا أساليب معروفة لزيادة قيمة العمل المشكوك فيه.
من بين هؤلاء مثلاً الناقد البريطاني وأستاذ تاريخ الفن في جامعة أكسفورد مارتن كيمب، وهو أحد أبرز المشككين في أصالة هذا العمل. يرى كيمب أن معظم ما يُستشهد به على أصالة اللوحة مجرد أحاديث مُرسلة ولا ترقى إلى مستوى الأدلة، ولا يوجد حتى الآن ما يثبت التاريخ الفعلي لرسم اللوحة.
من بين الأمور الأخرى التي أثارت شكوك الناقد البريطاني في هذه اللوحة، كما يقول، هو رسمها على القماش، في حين أن ليوناردو دافنشي كان يرسم أعماله خلال تلك الفترة على أسطح خشبية.