موسكو بدون صدى... نهاية إذاعة عريقة

04 مارس 2022
الإذاعة كانت مموّلة من الدولة (فرانس برس)
+ الخط -

"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ومن لا يدعمنا، فهو خائن"... حتى الصدى لم يسلم من هذا المبدأ الذي تتعامل وفقه السلطات الروسية مع وسائل الإعلام المحلية التي نجا بعضها من تهم "العميل الأجنبي" والتحريض على التطرف، وتمتعت بهامش حرية معقول في تغطية الأحداث في البلاد والعالم. بعد يومين من طلب الادعاء العام من هيئة الرقابة الروسية على الاتصالات "روسكومنادزور"، وقف بث إذاعة "إيخو موسكفا" (صدى موسكو)، وقناة "دوجد" التلفزيونية، بحجة ممارستهما "أنشطة متطرفة" ونشرهما "معلومات كاذبة" في تغطيتهما لـ"العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا ووصفهما لها بأنها حرب على أوكرانيا، قرر مجلس إدارة الإذاعة، الخميس، تصفية أعمال "إيخو موسكفا" وإغلاق موقعها الإلكتروني بشكل لا رجعة فيه، لتقفد البلاد واحدة من أهم المنصات الإعلامية القليلة التي تغرد خارج سرب الكرملين وسياساته.

وأشار رئيس تحرير إذاعة "إيخو موسكفا" أليكسي فينيديكتوف إلى أن أعضاء مجلس إدارة الإذاعة بأغلبية الأصوات، اتخذوا قرارا بتصفية القناة الإذاعية وموقعها، موضحاً في تصريحات لوكالة "إنترفاكس"، أن هذا القرار يعني أنه لن تتم استعادة البث والوصول إلى الموقع على الإنترنت. وكشف فينيديكتوف أن "قرار التصفية اتُخذ خلال 15 دقيقة فقط في غيابي، ولم أتلق دعوة لحضور الاجتماع"، مشيرًا إلى أن مكتب المدعي العام لم يطالب بإغلاق الإذاعة، وأضاف: "في تصور النيابة العامة، قيل إنه من الضروري إزالة الانتهاكات حتى لو اضطر الأمر إلى إنهاء البث، لكن الإنهاء في حد ذاته ليس إلزاميا".

في الأول من مارس/ آذار الحالي، أمر مكتب المدعي العام بوقف بث الإذاعة. ووفقًا لمكتب المدعي العام، نشرت المحطة الإذاعية ما يُزعم أنه مواد تدعو إلى "أنشطة متطرفة ومعلومات كاذبة حول أعمال الجيش الروسي" كجزء من "العملية العسكرية الخاصة" في أوكرانيا. وصرح فينيديكتوف حينها بأن هيئة التحرير اختلفت بشكل قاطع مع التصور الذي قدمه مكتب المدعي العام، مشددًا على أن مزاعم الوزارة "لا تدعمها أي أمثلة، أي أدلة، وتجانب الحقيقة تماما، ومهينة للصحافيين والمواطنين الروس".

وإلى جانب "إيخو موسكفا"، حجب مكتب المدعي العام الموقع الإلكتروني لقناة "دوجد" التلفزيونية، وغيرها من المواقع المستقلة أو الغربية، كـ"بي بي سي" و"دويتشه فيله" و"ميدوزا". وفي وقت سابق، طلبت هيئة الرقابة على الاتصالات إزالة مواد من صحيفة "نوفايا غازيتا" و"دوجد" و"ميديازونا" وغيرها من وسائل الإعلام، لأنها وصفت ما يحدث في أوكرانيا بأنه حرب، ولم تلتزم بالتسمية الرسمية التي تقول إن روسيا تقوم بـ"عملية عسكرية خاصة في الدونباس".

احتلت "صدى موسكو" تقليديًا أعلى المراتب في تصنيف محطات الراديو الحوارية في البلاد. وبدأت الإذاعة بثها لأول مرة في 22 أغسطس/ آب 1990 في موسكو. والمرة الوحيدة التي تم فيها وقف بث المحطة الإذاعية كانت خلال انقلاب لجنة الدولة لحالة الطوارئ الفاشل في عام 1991 ضد  الرئيس السوفييتي ميخائيل غورباتشوف. 

ومن اللافت أن المحطة الإذاعية المعارضة تملك معظم أسهمها (66% من جميع أسهمها) شركة "غازبروم ميديا"، التابعة لعملاق الغاز الروسي الحكومي "غازبروم". وأشار مراقبون في وقت سابق إلى أن التمويل الحكومي للإذاعة "المشاغبة"، كان هدفه محاولة احتوائها والضغط عليها لخفض حدة معارضتها وانتقادها للسلطات، بالإضافة إلى إبراز رسالة للغرب مفادها أن روسيا تحترم حرية الصحافة، وتمول الصحافة المعارضة من ميزانية الدولة. وتعرضت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى انتقادات حادة لمشاركتها في برامج حوارية في الإذاعة، واستضافت الإذاعة في برامجها الكثير من المسؤولين والوزراء. 

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، في تعليقه على الهجوم على صحافية إذاعة "إيخو موسكفا" تاتيانا فيلغنهاور، بأن المحطة الإذاعية ممولة من الدولة. وقال بوتين خلال اجتماع مع أعضاء مجلس حقوق الإنسان: "تعمل إيخو موسكفا من أموال الدولة. لا يوجد شيء من هذا القبيل في أي بلد آخر في العالم. هل يمكنك أن تتخيل وجود مثل هذه المحطة الإذاعية في أوروبا أو في الولايات المتحدة؟ مستحيل".

إعلام وحريات
التحديثات الحية

يبدو أن الأصداء العالمية للحرب الدائرة في أوكرانيا واصطدام الكرملين بحملة إعلامية هائلة مناوئة للغزو، قد أثارت مخاوف لدى المسؤولين الروس على الصعيد الداخلي بشأن تأييد المواطنين المحليين لـ"العملية العسكرية"، ما دفع السلطات لتشديد القيود المفروضة على الأصوات الناقدة والمعارضة. ولم يقتصر الأمر على الصحافيين، بل طاول أيضا الشخصيات الثقافية التي لا تدعم "العملية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، والذين طالبهم رئيس مجلس الدوما (البرلمان) فياتشيسلاف فولودين بترك مناصبهم، بعدما دعا في وقت سابق العاملين في المجال الثقافي إلى تحديد موقفهم من العملية الخاصة.

وقال فولودين في مقابلة مع قناة "روسيا 24": "إنهم (العاملون في المجال الثقافي) عليهم ترك مناصبهم، فهم يشغلونها، كقاعدة عامة، في منظمات ممولة حكوميا، عليهم رفض المنح التي يتلقونها... لا يمكن الوجود في مكانين، فلن تكون مفيدا لأحد هناك. سوف يستخدمونك، ثم سيفعلون كل شيء لضمان عدم وجود بلدك، ثم سيظلون يحتقرون أولئك الذين اتخذوا مثل هذا الموقف التعاوني، والذين خانوا شعوبهم، ودولتهم".

المساهمون