موجة إعلانات تروّج لـ"معجزات" الذكاء الاصطناعي

17 اغسطس 2024
"غوغل" سحبت إعلاناً للذكاء الاصطناعي بعد انتقادات (طيفون كوسكون/ الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **طفرة في برامج الذكاء الاصطناعي:** شهد العام إطلاق برامج ذكاء اصطناعي من عمالقة التكنولوجيا مثل "غوغل" و"آبل"، مع ترويج لقدراتها الفائقة، وسط مخاوف من تأثيرها على الإبداع البشري ومحاولات تنظيم استخدامها.

- **إعلانات مثيرة للجدل:** تزايدت الإعلانات الترويجية للذكاء الاصطناعي، وأثارت بعضها جدلاً، مثل إعلان "غوغل" الذي سُحب بعد انتقادات، بينما تؤكد الشركات أن الذكاء الاصطناعي يعزز الإبداع البشري.

- **تحديات الاستثمار:** رغم الاستثمارات الضخمة، يواجه عمالقة التكنولوجيا ضغوطاً من المستثمرين القلقين من عدم تحقيق عائدات كافية، مع التزام الشركات بالاستثمار في الذكاء الاصطناعي لتفادي التأخر في المنافسة.

يمكن القول إن هذا العام هو عام الذكاء الاصطناعي. منذ بداية العام، تعلن الشركات العملاقة في مجال التكنولوجيا عن إطلاق برامجها الخاصة للذكاء الاصطناعي، وتروّج أنها "قادرة على القيام بكل شيء" وحتى أنها "أذكى من أذكى إنسان". وعلى الرغم من المخاوف التي يعبر عنها خبراء وفنانون وأكاديميون وسياسيون إزاء الأخطار التي يشكلها اقتحام الذكاء الاصطناعي مجالات الحياة كافة، وكذلك محاولة المشرعين في الغرب وضع ضوابط لاستخدامه، فإن المنافسة في هذا المجال لا تزال محتدمة. ولكن، إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على أن يأتي بكل هذه "المعجزات"، فلماذا ينفق عمالقة التكنولوجيا جهوداً جبارة ومبالغ طائلة لإقناعنا باستخدامه؟

تتدفق الإعلانات التي تروج برامج الذكاء الاصطناعي من كل حدب وصوب، وآخرها ذلك الذي طرحته "غوغل" خلال أولمبياد باريس وأثار جدلاً كبيراً اضطرها إلى سحبه. أظهر إعلان "دير سيدني"، الذي يهدف إلى ترويج قدرات برنامج "جيميني إيه آي" الخاص بـ"غوغل"، رجلاً يصف بشكل عاطفي كيف كتبت هذه الأداة الذكية لابنته رسالة إلى العداءة الأميركية سيدني ميشيل ماكلولين-ليفرون التي حطّمت الرقم القياسي العالمي في نهائيات سباق 400 متر حواجز للسيدات في طوكيو عام 2021.

بعض المشاهدين انتقدوا الإعلان معتبرين أنه يروج فكرة أن على الآباء إقناع أطفالهم بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي بدلاً من تعلّم التعبير عن أنفسهم. وأُطلقت منشورات تتساءل عما إذا كان الإعلان يشير إلى مستقبل مظلم يسقط فيه الإبداع البشري بسبب الذكاء الاصطناعي. وقارن بعض المنتقدين إعلان "غوغل" بإعلان طرحته شركة آبل في وقت سابق من هذا العام، وحذفته أيضاً بعد مواجهة ردود فعل عنيفة على شبكة الإنترنت. وقد أظهر الإعلان آلة ضغط صناعية ضخمة تسحق الآلات الموسيقية ولوازم الفن وتجعلها غباراً، في إشارة إلى أن المبدعين يحتاجون فقط إلى جهاز آيباد من "آبل" لصنع الفن والموسيقى.

وبعد حذف الإعلان، أصدرت "غوغل" بياناً أكدت فيه "إيمانها بأن "الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون أداة رائعة لتعزيز الإبداع البشري، ولكن لا يمكن أن يحل محله أبداً".

196 مليون دولار لإعلانات الذكاء الاصطناعي

لكن المسألة أبعد من مجرد إعلانات تثير الجدل. وفقاً لشركة التحليلات "آي سبوت"، أنفقت شركات التكنولوجيا 196 مليون دولار منذ بداية العام الحالي حتى الثامن من أغسطس/ آب على الإعلانات التلفزيونية التي كانت تدور حول الذكاء الاصطناعي بطريقة ما. وأشارت الشركة إلى أن المبلغ المذكور يمثل نحو نصف إجمالي إنفاق هذه الشركات على الإعلانات التلفزيونية.

وشهدت الإعلانات الترويجية للذكاء الاصطناعي على التلفزيون وعلى الإنترنت ارتفاعاً حاداً خلال الشهرين الماضيين، وخاصة خلال دورة الألعاب الأولمبية، وفقاً لشركتي "آي سبوت" و"سنسر تاور".

في الأيام العشرة الأولى من أغسطس مثلاً، خلال انعقاد دورة الألعاب الأولمبية في باريس، كان ما يقرب من نصف جميع مقاطع الفيديو المتدفقة أو الإعلانات عبر الإنترنت لشركة ميتا مخصصة لروبوت الدردشة الذكي الخاص بها، وفقاً لـ"سنسر تاور".

محلل صناعة الإعلام براد أدجيت، قدّر سببين وراء زيادة الإعلانات المخصصة لبرامج الذكاء الاصطناعي، فهي أولاً "فئة جديدة وتنافسية من الخدمات"، وهذا ما يؤجج الزيادة في الإعلانات من أجل إثبات الحضور والتفوق. وقال أدجيت لصحيفة واشنطن بوست: "تحاول شركات الذكاء الاصطناعي أن تكون على رادار المستهلكين". وثانياً، فإن الألعاب الأولمبية شكلت فرصة فريدة ومهمة، إذ تابعها الكثير من الأميركيين، مما يعني وصول الإعلانات إلى شريحة واسعة من الأشخاص.

ومن جهة ثانية، قال أوغسطس كوك من وكالة الإعلانات R/GA Americas التي ساعدت في العمل على تسويق ميزة "حوّق للبحث" (وضع دائرة حول أي عنصر لتحديد ما يراد البحث عنه بدلاً من التبديل بين التطبيقات) للذكاء الاصطناعي من "غوغل"، إنه يتعاطف مع الأشخاص الذين يشعرون كأنهم يغرقون في سيل الإعلانات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. وأوضح كوك، متحدثاً لـ"واشنطن بوست"، أن التحدي الذي تواجهه شركات التكنولوجيا والمديرون التنفيذيون للتسويق هو إظهار أمثلة محددة لكيفية مساعدة الذكاء الاصطناعي في حياتنا أو عملنا ولماذا يختلف الذكاء الاصطناعي لشركة ما عن غيره ولماذا يعد أفضل منه. وأضاف: "يمكنك الحصول على أفضل التقنيات، ولكن ما لم تتمكن من كسب الناس، فستكون أمامك معركة شاقة".

وتوجه عمالقة التكنولوجيا إلى الإعلانات التقليدية ليس أمراً معتاداً، إذ كانت ترى أنه ليس من اللائق أن تتبع هذه الطريق، وأن منتجاتها مميزة لدرجة أنها تبيع نفسها بنفسها. لكن مع انتشار التقنيات الجديدة والمختلفة واحتدام المنافسة، تغير الأمر. وقال بريان ويزر، الذي يعمل في شركة ماديسون آند وول للأبحاث والاستشارات الإعلانية، إن شركات التكنولوجيا "أصبحت الآن من بين أكبر المعلنين للعلامات التجارية في العالم".

وحتى شركة تسلا التي يملكها الملياردير إيلون ماسك الذي صرح سابقاً بأنه يكره الإعلانات كانت تشتري بعض الإعلانات في الفترة الأخيرة. وللمفارقة، فإن شركة أوبن إيه آي التي أثارت حمى المنافسة على الذكاء الاصطناعي منذ إطلاقها برنامجها "تشات جي بي تي" لم تنضم إلى حرب الإعلانات.

مخاوف المستثمرين حاضرة

إلا أن توقيت زيادة إعلانات الذكاء الاصطناعي لشركات التكنولوجيا محرج. في الآونة الأخيرة، اشتكى المستثمرون من أن شركات التكنولوجيا تنفق الكثير على منتجات الذكاء الاصطناعي الخاصة بها دون عائد مالي كاف. إذ شجعت السوق كبرى شركات التكنولوجيا على الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي، التقنية الأكثر شعبية في وادي السيليكون، لكنّها توقعت أيضاً أداءً قوياً في الأعمال الأساسية لهذه المجموعات لدعم هذا الإنفاق الضخم.

ومع أنّ النتائج الفصلية لـ"غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون" أتت أعلى من التوقعات عموماً، لكنها خيّبت آمال المستثمرين المتحمسين. وضاعفت "أمازون" أرباحها في الربع الثاني من السنة لتصل إلى 13.5 مليار دولار، بفضل هوامش قوية في أعمالها السحابية (الحوسبة عن بعد)، لكنّ إيراداتها البالغة 148 مليار دولار (+10%) لم تأت على قدر التوقعات.

وارتفعت عائدات فرع الشركة المتخصص في الحوسبة السحابية "خدمات أمازون ويب" (AWS)، بنسبة 19% لتصل إلى 26.3 مليار دولار. كما حقّق أرباحاً تشغيلية بـ9.3 مليارات دولار (وهو مؤشر رئيسي للربحية)، أي ما يعادل ثلثي إجمالي المجموعة. مع ذلك، تراجعت "أمازون" التي تحتل المرتبة الأولى عالمياً في مجال الحوسبة السحابية، في الذكاء الاصطناعي التوليدي مقارنةً بالشركتين العملاقتين الأخريين في هذا القطاع "مايكروسوفت" و"غوغل". إذ تتصدر الشركتان السباق في تصميم نماذج وتطبيقات قادرة على إنتاج نصوص وصور ومحتويات أخرى بناءً على طلب بسيط بلغة يومية.

وشدّد رؤساء الشركات جميعاً على ضرورة تفادي التأخر في المنافسة، واعتبر المدير التنفيذي لـ"غوغل"، ساندر بيتشاي، أنه في السياق الحالي، "يُعدّ خطر نقص الاستثمار أكبر بكثير من خطر الإفراط في ذلك". قال: "حتى عندما نفرط في الاستثمار، فيكون في بنية تحتية مفيدة جداً ولها دورة حياة طويلة".

لكنّ المساهمين الحريصين على رؤية عائدات تجارية متناسبة مع النفقات سريعاً، يشعرون بالقلق من الفشل. فقد باعت "أمازون" مثلاً مساحات إعلانية أقلّ ممّا توقعه المحللون خلال الربع الفائت. أمّا بالنسبة لشركة مايكروسوفت فقد كانت السحابة المجال الذي خيّب الآمال، إذ على الرغم ارتفاع مبيعات منصة "أزور" الفصلية بـ29% على أساس سنوي، لكنها بقيت أقل من النسبة المتوقعة البالغة 31%.

المساهمون