تشكّل التعديلات التي أرسلتها هيئة الإعلام الحكومية الأردنية إلى رئاسة الوزراء على نظام "رسوم ترخيص المطابع ودور النشر والتوزيع ومكاتب الدراسات والبحوث، ومكاتب الدعاية والإعلان والمطبوعات الدورية، بالإضافة إلى نظام إجازة المصنفات المرئية والمسموعة ومراقبتها، والنظام المعدل لرخص البث وإعادة البث الإذاعي والتلفزيوني"، تمهيدا لإقرارها، تهديدًا لحرية التعبير والإعلام، ومحاولة لتضييق الخناق على المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل.
رغم أنّ القائم بأعمال نقيب الصحافيين الأردنيين، ينال البرماوي، نقل عن وزير الدولة لشؤون الإعلام صخر دودين، الأربعاء الماضي، إعلانه رفع الأنظمة المعدلة من قبل هيئة الإعلام عن الموقع الإلكتروني لديوان التشريع والرأي، بعد المطالب بسحب الأنظمة المعدلة المقترحة، إلى حين التشاور مع النقابة والأسرة الصحافية، وصفت اللجنة التنسيقية للمواقع الإلكترونية التي تشكّلت للوقوف في وجه هذه الخطوة الحكومية، الإجراء بأنّه التفاف على مطالب الأسرة الصحافية والمحددة بإعلان سحب الأنظمة المعدلة لأنظمة الإعلام من ديوان التشريع والرأي وليس رفعها عن الموقع الإلكتروني، مشددة على أن إجراءاتها التصعيدية قائمة، وقد بدأت يوم أمس الأحد باعتصام أمام مبنى نقابة الصحافيين.
في هذا الإطار، يقول ناشر موقع "جو 24" باسل العكور، لـ"العربي الجديد" إنّ صيغة التجاوب المقدمة من الحكومة صيغة التفافية، ومطلب الصحافيين واضح وهو سحب الأنظمة تماما وإلغاؤها، فقد جرت صياغتها من دون العودة إلى القطاع صاحب العلاقة وصيغت بهدف تقييد وتقليص وتقليم الجسم الصحافي. ويضيف أنه "لا تغيير على الفعاليات الاحتجاجية لتنسيقية المواقع الإلكترونية ما دامت الحكومة متمترسة خلف موقفها ولا تريد أن تتجاوب مع الأسرة الصحافية، ونحن ماضون في الإجراءات التصعيدية، ومنها الوقفة الاحتجاجية أمام نقابة الصحافيين، و"عاصفة إلكترونية" في اليوم ذاته، تليها وقفة احتجاجية أخرى الأربعاء المقبل 8 سبتمبر/أيلول في ميدان محمود الكايد بشارع الصحافة، وإجراءات أخرى وفق تطوّر الأوضاع، وفي حال عدم الاستجابة".
مخاوف من إنهاء وجود المواقع الإلكترونية بعد الأنظمة الجديدة
ويُبيّن أنّ التعديلات التي أدخلت على أنظمة الإعلام "غير دستورية وتزهق الحق في النص القانوني، سواء في ما يتعلق بفرض رسوم تجديد الرخصة سنوياً وفرض المزيد من الرسوم على التجديد أو فرض رسوم على البثّ عبر الإنترنت". ويشير إلى أن الأسرة الصحافية تعد اليوم خط الدفاع الأول والأخير عن الحريات العامة، مقدرا أنه في حال تطبيق التعديلات سيخسر الجميع، فالدولة ستخسر سمعتها ومكانتها بين الدول التي تحترم الحريات وحقوق الإنسان، ويصبح الأردن من الدول الأولى في العالم التي تقيد حرية الإنترنت بهذه الطريقة، ويخسر المجتمع حريته في التعبير.
ويتابع العكور أنّ "ميزة المواقع الإلكترونية أنها مجموعة وسائل إعلام بوسائل متعددة، وإذا جُرّدت المواقع من بث الفيديو والتسجيلات الصوتية، فإنها ستعود كما الصحف الورقية، ولكن تنشر إلكترونياً، وهذا يعني إنهاء وجودها، ومحاولة جديدة للإجهاز على الصحافة الإلكترونية في الأردن، بعد الضربة الأولى بمنع التعليقات على المواقع الرسمية للمواقع الإخبارية الإلكترونية". ويشير إلى عدم وجود حالة من الالتفاف والتضامن المجتمعي تجاه هذه الأنظمة التي تستهدف الجميع، مضيفاً: "الكثير من المواطنين يراقبون الحراك الصحافي الذي يواجه التغول الحكومي على الحريات الصحافية، من دون إسناد حقيقي من القوى السياسية والاجتماعية، وحتى الناشطين على مواقع التواصل".
التعديلات تستهدف مواقع التواصل وحرية الإنترنت، إذ تستطيع الحكومة وأجهزتها استهداف ما يبثّ مباشرة على الإنترنت ولا يعجبها
أكدت مطالعة قانونية نشرها مركز حماية وحرية الصحافيين، أن "التعديلات المقترحة على الأنظمة المتعلقة بالإعلام تتضمن مخالفات دستورية وقانونية، بالإضافة إلى مخالفتها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والتي صادق عليها الأردن".
ويرى رئيس مركز حماية وحرية الصحافيين، نضال منصور، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التعديلات التي أدخلتها الحكومة على أنظمة الإعلام تستهدف السيطرة على منصات التواصل والمواقع الإلكترونية". ويضيف: "إذا كانت الحكومة جادة في التفاهم مع وسائل الإعلام وعدم تصعيد الخلاف والأزمة، فيجب الإعلان عن سحب أنظمة الإعلام المقدمة من هيئة الإعلام بشكل عاجل، وتشكيل لجنة مستقلة تضم كل الأطراف لتقديم خطة تفصيلية بمؤشرات للنهوض بالإعلام".
ويرى أنّ "هدف الحكومة وهيئة الإعلام هو التضييق على الإعلام وفضاء الإنترنت واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي"، مشيراً إلى أنّه "لا مسوغات أخرى يمكن أن تفهم من تعديل هذه الأنظمة، ولم تقدم الحكومة مبررات مقنعة لها علاقة بأيّ شيء يمكن أن يسهم في تطوير الإعلام".
ويُبيّن أنّ "التعديلات لا تستهدف المواقع الإلكترونية وحدها، رغم أنّ الحكومة تحاول أن تظهر أنّ التعديلات تستهدف الإعلام الإلكتروني والتلفزيونات، لكنّها في الحقيقة تستهدف أيضاً الناشطين على مواقع التواصل وحرية الإنترنت"، مشددًا على أنّه "في حال إقرار تعديل البث المباشر عبر الإنترنت، يكون قد دُق المسمار الأخير في نعش حرية التعبير في البلاد، حيث تستطيع الحكومة وأجهزتها بعد ذلك ملاحقة كل من يقوم ببث مباشر (لايف على الإنترنت) لا يعجبها أو أي شخص يستخدم الإنترنت للحصول على التأييد والحشد ضد أي قرار أو موقف حكومي". وحول إمكانية الضغط على الحكومة للتراجع عن التعديلات، يفيد منصور بأنّ "قدرة وسائل الإعلام على إجهاض التعديل ممكنة عندما يتوحد الجميع، لكنّ فرصة التغيير ومواجهة القرار تكون أكبر عندما يكون المجتمع والإعلام في خندق واحد أمام محاولات العصف بحرية التعبير والإعلام".
تتضمن التعديلات اعتبار البث المباشر على فيسبوك وغيره بثّاً مرئياً ومسموعاً يحتاج ترخيصاً مسبقاً ويعرض صاحبه للسجن والغرامة
من جانبه، يشير رئيس لجنة الحريات في نقابة الصحافيين يحيى شقير، لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ ترتيب الأردن في مؤشرات الحرية الصحافية يتراجع بشكل عام منذ 15 عاماً، وانتقل من تصنيف دولة حرة جزئياً إلى دولة غير حرة في مؤشري حرية الصحافة اللذين تعدهما منظمتا "هيومن رايتس ووتش"، و"مراسلون بلا حدود"، مضيفاً أنّه "مع هذه التعديلات بالتضييق على الحريات والإعلام الإلكتروني والبث عبر الإنترنت، سيكون هناك مزيد من التراجع على موقع الأردن"، متوقعاً في حال إقرار هذه الأنظمة أن يصبح الأردن من ضمن أسوأ عشر دول في العالم في هذه التصنيفات.
ويلفت إلى أنّ "رسم المواقع الإلكترونية كان 50 دينارا (70 دولارا) وسيتم رفعه عشرة أضعاف أي إلى 500 دينار (700 دولار) وفق التعديل، ومجموع ما ستجبيه الحكومة من ذلك لن يتجاوز 200 ألف دينار (280 ألف دولار) وهو مبلغ زهيد بالنسبة لموازنة الحكومة". ويذكّر بصدور قرار من ديوان تفسير القوانين مضمونه أن المواقع الإلكترونية لا يلزمها بدفع رسوم نهائياً، مقدرًا أنّ أصحاب المواقع الإلكترونية لم يتابعوا القرار، كون الطعن في هذا القرار بمحكمة العدل العليا رسومه 250 ديناراً (350 دولاراً) أي خمسة أضعاف رسوم الترخيص".
ويرى أنّ "الحكومة الأردنية لا تعتبر الصحافة الورقية أو التلفزيونات التهديد الأكبر، بل التهديد من بعض المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي، ولذلك تريد استنساخ الضغط الذي مورس على الصحافة الأسبوعية في عام 1997، عندما سنّت الحكومة قانوناً مؤقتاً زاد الحد الأدنى من رأس مال الصحافة الأسبوعية إلى 250 ألف دينار (350 ألف دولار) والصحف اليومية مليون دينار (1.4 مليون دولار) مما تسبب بإغلاق 13 صحيفة أسبوعية. لكن بعد ثمانية أشهر أصدرت محكمة العدل العليا قراراً بعدم دستورية القانون، وهذه الحكومة تقوم بالإجراءات نفسها مع مواقع التواصل الاجتماعي لتكميم الأفواه".
ترى الأسرة الصحافية في تعديلات الحكومة رغبة في السيطرة على الإعلام الإلكتروني ومواقع التواصل
ويقول شقير إنّ "الاستراتيجية الإعلامية التي وضعتها الحكومة بين عام 2011 و2015 كانت أهم وثيقة أردنية لإيجاد بيئة حاضنة للإعلام الجديد، والتي أكدت ضرورة توفير الشروط القانونية والسياسية اللازمة لتعزيز الحريات الإعلامية وحرية التعبير وحماية جميع أشكال حرية التعبير الإعلامي ضمن معايير المسؤولية، إضافة إلى ضمان الحق في الوصول إلى المعلومات من مصادرها الحكومية ومن القطاع الخاص، وتسهيل تدفق المعلومات من مؤسسات الدولة لوسائل الإعلام والجمهور والتعريف بهذا الحق والتشجيع على ممارسته، لأن المصداقية تؤثر إيجابياً في المحتوى الإعلامي، كما تؤثّر في سلوك أفراد المجتمع وثقافته".
ويلفت إلى تأكيد الاستراتيجية على تمكين وسائل الإعلام الرسمي والخاص من القيام بدورها الرقابي وذلك بالحد من التدخلات الرسمية غير المنهجية في عمل الإعلام، والالتزام بمعايير الشفافية ورفع كفاءة وسائل الإعلام في الاستقصاء وحماية الحقيقة، لأن غياب ثقة الجمهور باستقلالية وحرية الإعلام يقوض ثقة الرأي العام بها؛ فاستقلالية الإعلام تحت مظلة تشريعية تضمن الحريات وفي إطار من المهنية والمصداقية والموضوعية تمثل أهم أهداف الاستراتيجية في الوصول إلى إعلام دولة ووطن". ويضيف أنّ "المتتبع اليوم لإنجازات الحكومة سيكتشف أنّ الحكومات المتعاقبة لم تنفذ 10 في المائة من هذه الاستراتيجية التي وضعت قبل حوالي سبع سنوات على الأقل، بل تتراجع عنها".
يُذكر أنّ أبرز التعديلات المقترحة على أنظمة الإعلام تتضمّن زيادة رسوم ترخيص المواقع الإلكترونية من 50 إلى 500 دينار (70 ـ 700 دولار)، وفرض 2500 دينار (3500 دولار) على منح رخص بث البرامج الإذاعية والتلفزيونية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى تعديل ثالث يفرض رسوماً على دور النشر. كذلك تتضمّن التعديلات المقترحة اعتبار البث المباشر الشخصي على شبكات التواصل الاجتماعي، مثل "فيسبوك"، على أنه "بث مرئي ومسموع" وهو ما يعني أنه يحتاج إلى الحصول على ترخيص مسبق على أن أي بث غير حاصل على الموافقات الحكومية المسبقة يُعرض صاحبه لعقوبة السجن مدة تتراوح بين عام وخمسة أعوام، أو غرامة مالية تتراوح بين 25 ألف دينار (35 ألف دولار) و100 ألف (140 ألف دولار أميركي).