"مهرجان مالمو العربي الـ13": السينما قليلةٌ فالمسائل أقوى

03 مايو 2023
ماريا في "بطاطا" لنورا كيفوركيان: سيرة امرأة وبلدين (الملف الصحافي)
+ الخط -

 

فيلمان وثائقيان، مشاركان في مسابقة الأفلام الطويلة، في الدورة الـ13 (28 أبريل/نيسان ـ 4 مايو/أيار 2023) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية"، يُعاينان أحوال نساءٍ عربيات، ويُوثِّقان، بصرياً وسردياً، روايات بعضهنّ عن تاريخٍ وحالةٍ ومسارٍ وعيشٍ وراهنٍ.

الفيلمان يُكملان برنامجاً، يبدو أن المهرجان معقودٌ عليه في دورته هذه، لاهتمامه بتقديم إنتاجات سينمائية عربية مرتبطة بالنساء، إخراجاً وتمثيلاً ومسائل تخصّهن ويعشنها ويشعرن بها. فالفيلمان يستمدّان حكايات نسائهما من الآنيّ: نزوح سوري إلى لبنان، كما في "بطاطا" للّبنانية السورية نورا كيفوركيان؛ وتاريخ يحضر في لقاءات مباشرة مع عارفاتٍ به، وعارفين قلائل أيضاً، يستعيدون جميعاً مساراً حافلاً بنضال ومواجهة وتحدّيات، لتحرير المرأة السودانية من سطوة تقاليد وذكورية وانغلاق وتعالٍ، كما في "أجساد بطولية" للسودانية سارة سليمان.

التجربة الشخصية/الذاتية في الفيلمين متعلّقة بشخصيات، لها حكايات واختبارات وانفعالات وبوح. فالوثائقيان يعاينان وقائع، ويرويان أحداثاً عامة وأفعالاً فردية، ويكشفان راهناً انطلاقاً من ذاكرة فرد/أفراد، غير مبتعدةٍ عن همّ جماعي. القسوة والأذية، مختلفة الأنواع والتأثيرات، مشتركان أساسيان في السردية النسائية في بلدان عربية. لكنْ، هناك أيضاً تحدٍّ وعناد في مواجهة الآخر والحياة والقدر والمصائب، والتحدّي والعناد معاً متنوّعا الأساليب، ومترافقان مع تنوّع حاصل في كيفية إحداثهما تغييرات إيجابية، ولو قليلة.

10 أعوام من التصوير تمنح نورا كيفوركيان مادة بصرية ثريّة، توظّفها في قراءة متعدّدة الأشكال لواقع العلاقة المعقّدة والمتناقضة والمخادعة، غالباً، بين لبنانيين/لبنانيات وسوريين/سوريات، أقلّه منذ "ثورة 15 آذار" (2011) السورية. تاريخ نابض بحيوية نسائية سودانية، تُقارع سلطة، سياسية واجتماعية وتربوية وعسكرية/أمنية، مشبعة بذكورية أصيلة، سيكون (التاريخ)، والراهن أيضاً، نواة "أجساد بطولية"، وإنْ بلغة تسجيلية عادية، تتضمّن أرشيفاً مُصوّراً (فيديو وصور فوتوغرافية) ومستندات، لقول سِيَر نساءٍ، يبغين خلاصاً من موروثات قاتلة.

إنجازان بصريان لمخرجتين شابتين، تحاوران نساءً، ورجالاً قلائل لهم أدوار متفرّقة في منح نساء قريباتٍ منهم مساحة واسعة من حرية عمل وتفكير وتعبير وعيش، وهؤلاء جميعاً ينتمون إلى أجيال سابقة عليهما، هما اللتان تبحثان في تاريخ يحاول كشف أصل الراهن، وتوقّعات مستقبله، أو الاكتفاء بتوثيق عمر وحياة في 10 أعوام من ثورة تُصبح حرباً (ومما قبلها أيضاً)، والحرب منفلشةٌ في اتجاهات مختلفة، بعيداً (ولو قليلاً) عن ساحة المعركة الدموية للحرب الأسدية على بلدٍ وشعب واجتماع وعمارة.

 

 

الاشتغال السينمائي حاضرٌ في "بطاطا" أكثر من حضوره في "أجساد بطولية"، والأخير مائلٌ أكثر إلى ريبورتاج تلفزيوني، يبتعد عنه "بطاطا" كثيراً. الريبورتاج التلفزيوني غير مانعٍ وضوحاً في رؤية سارة سليمان، تتمثّل في إعادة سرد متماسك لحقباتٍ من نضال نساء، منذ سنين مديدة، ما يجعل الريبورتاج "قصّة" واحدة مروية بأصواتٍ عدّة، وصُور مختلفة، ورسومات متنوّعة. بينما "يسقط" الاشتغال السينمائي في لحظات مُتعِبةٍ لطول مدّة "بطاطا" (120 دقيقة)، والتعب منبثقٌ من فراغ وتكرار وعدم تقديم جديدٍ يُذكر في فقرات عدّة، يُفضَّل حذفها، خاصة أنّ نبرة الشخصية الأساسية (ماريا) ثابتة إلى حدّ الإزعاج، أحياناً.

شخصية نسائية واحدة تكون خطّاً درامياً، يجذب كلّ شيءٍ وكلّ أحدٍ، نساء ورجالاً، في ذاتها وسرديّتها واكتشافاتها وبوحها، وبعض البوح موارِبٌ، وهذا جميلٌ (بطاطا). شخصيات نسائية عدّة تروي خبريات عن ماضٍ وحاضر سودانيين، وفيهما نساءٌ يُقارعن ظلماً ووحشية وقسوة وأذية، في يوميات عيشهنّ في اجتماع خاضع لسطوة الرجل، واليوميات تلك مليئةٌ بصراعٍ، حادّ ومباشر وغير مهادن، مع تلك السطوة (أجساد بطولية).

في "أجساد بطولية"، هناك جزءٌ بصري أساسيّ متمثّل بأرشيف قديم (أشرطة مُصوّرة، صُور فوتوغرافية، مستندات/أخبار، إلخ)، معظمها موظَّفٌ درامياً بما يتوافق والـ"خطاب" النضالي، الذي تبغيه سارة سليمان، وإنْ ضمنياً، وهذا حسنٌ أيضاً. فهدف الفيلم توثيقُ تاريخ نضالي لنساء سودانيات، وكفاحهنّ غير محصور بحرية وتحرّر فقط، فسليمان متمكّنةٌ، عبر حوارها مع ناشطات يسردن القصة الواحدة بأصواتهنّ المتعدّدة، من تبيان التساوي في تفكير مناضلات بين هذين التحرّر والحرية، وأولوية/أهمية الوعي المعرفي في اليومي والحياتي والتربوي والجسدي والفكري.

الاستناد إلى الأرشيف غير موجود في "بطاطا"، باستثناء تسجيلات ملتقطة بهواتف محمولة، وأخرى مأخوذة من خطابات متلفزة، ومتابعات تلفزيونية للحاصل في سورية. فكيفوركيان تتابع سيرة ماريا، القادمة إلى عنجر للعمل في حقول زراعية تابعة لموسى الأرمني، المنفتح تفكيراً وممارسة على الآخر، إلى حدّ أنّ والد ماريا، أبو خليل المسلم السنّي، سيكون صديقه الوحيد في نحو 35 عاماً. رواية ماريا، ذات الصوت الواحد، منفلشةٌ على أعوام وحالات ونزاعات خفية، والحرب السورية تجبر سوريين وسوريات كثيرين على اللجوء إلى لبنان، والأزمة الاقتصادية الاجتماعية، التي تنكشف عشية "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) اللبنانية، تُزيد من إعلاء صوت مناهض للوجود المدني السوري.

حساسية المطروح في "بطاطا" تحتاج إلى أكثر من قراءة. القصة السودانية مُثيرة للانتباه، لسلاسة المروي وأسلوبه البصري المتواضع، لكنْ المُكمِّل لتلك القصة.

المساهمون