مهرجان فينيسيا 81: أهناك خطر على السينما من المسلسلات؟

02 سبتمبر 2024
ألفونسو كوارن: أيكون إغراء التلفزيون أقوى من جماليات السينما؟ (ألبيرتو إي. رودريغز/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- شهد مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الـ81 حضوراً لافتاً للمسلسلات، مما أثار نقاشاً حول تأثيرها على السينما التقليدية، مع توجه مخرجين كبار لإخراج مسلسلات قصيرة لمنصات البث.
- لوحظت زيادة في طول الأفلام بالمهرجان، حيث باتت الأفلام التي تتجاوز مدتها ثلاث ساعات شائعة، مما يعكس تأثير المسلسلات التلفزيونية ومحاولة السينما منافستها.
- ظهرت ظاهرة الفواصل الزمنية في العروض السينمائية الطويلة، مما أثار استهجان الجمهور وأدى إلى بعض الفوضى والارتباك.

بعد عرض أكثر من نصف أفلام المسابقة الرئيسية للدورة الـ81 (28 أغسطس/آب ـ 7 سبتمبر/أيلول 2024) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي"، وعروض فرعية ومسلسلات، يُمكن القول إنّ هناك حضوراً لافتاً لمواضيع وتيمات متشابهة، وأساليب تناول وطرح ومعالجة، مع صعوبة العثور على سيناريو وحوار عبقريّين. في الوقت نفسه، هناك تفاوت ملحوظ في الأداء الذي، رغم الإتقان والحِرفية، لا يتأرجح بين متوسّط وجيّد.

أمورٌ كهذه لا تعني انتفاء حِرَفية تنفيذ وإخراج وصورة، وأحياناً إثارة وتشويق. لكنّ السينما، وفنيّاتها وجمالياتها غائبة كثيراً عن غالبية المعروض إلى الآن.

صحيحٌ أنّ الأفلام المنتظرة للوكا غوادانينو وبيدرو ألمودوفار وتود فيليبس وغيرهم لم تُعرض بعد، لكنْ، هناك طغيانُ مواضيع ومعالجات وتناول وأفكار وحوارات، وطول مدّة أفلام باتت تتنافس مع ما للمسلسلات من بنى وفنّيات وجماليات، ربما تتوفّر عليها أحياناً، خاصة المسلسلات التي تبثّها منصّات وشبكات. المثير أنّ هناك مسلسلات مهمّة تُعرض في المهرجان، من إنتاج هذه المنصات والشبكات. ومن الأمور التي تُثير أسئلة ملحّة ما يتعلّق بتأثير هذه المنصات والشبكات، وما تقدّمه من مواضيع ومعالجات وطرح وإيقاعات وخصوصيات فنية. من ناحية أخرى، تتماهى السينما قدر الإمكان معها، لا العكس.

في الدورة هذه، هناك خمسة مسلسلات في قسمٍ خاص بها، أبرزها إلى الآن "تَنَصُّل" لألفونسو كوارون و"أسر كأسرنا" لتوماس فينتربيرغ و"إم" لجو رايت، تُثير نقاشاً حول ما تتوفّر عليه من فنّيات ومواضيع ومعالجات واشتغال بصري، تكاد تقارب كلّها فنّيات السينما وجمالياتها. ما يُطرق نواقيس الخطر بخصوص أمور مرتبطة بما يُطلق عليه "السينما النقية" أو "السينما الخالصة". طبعاً بتوجّه مخرجين كبار (كوارون وفينتربيرغ ورايت مثلاً)، إلى إخراج مسلسلات بأجزاء، وإنْ لا تتجاوز سبع حلقات (45 دقيقة/الحلقة)، لحساب منصّات ذات شروط وإملاءات، بدلاً من مساهمة منصات وشبكات كهذه في دعم السينما، وتمويل هؤلاء المخرجين لإنجاز ما يرغبون فيه من أفلام، لا سحبهم إلى حيث يريد السوق، وما تموّله هذه الجهات.

هذا يعيدنا مجدّداً إلى التأثير النهائي على السينما نفسها، والأثر التدريجي على المتفرّج الذي ربما يُفضّل مستقبلاً هذا النوع من الأعمال، ثم سحب البساط من السينما لصالح هذه المنصات والشبكات، أو أقلّه مسخ السينما وتخريبها وتدجين المواهب الإبداعية واستغلالها وتسخيرها.

بعيداً عن وجود مهرجانات عالمية تختصّ بعرض المسلسلات، بات عرض هذه الأخيرة في مهرجانات سينمائية مُحيّراً ومُثيراً لأسئلةٍ كثيرة عن العلاقة الشائكة بين المهرجانات الكبرى وشركات الإنتاج والتوزيع، خاصة مع توغّل هذه المسلسلات وطغيانها، التي بدأت موضة عرضها في المهرجانات، أو على هامشها، أو في برامج موازية، على استحياء، قبل سنوات قليلة. حتى عندما بدأت هذه الظاهرة، لم تكن تلفت الأنظار وتجذب الانتباه، حتّى على مستوى التغطيتين الصحافية والنقدية. أمّا الآن، فمساحة حضورها في مختلف المهرجانات ازدادت، وباتت مسلّمات، عند إعلان أي مهرجان كبير عن برامجه وأفلامه.

يُلاحَظ في "مهرجان فينيسيا الـ81" برمجة مسلسلات في المواعيد نفسها لعروض أفلام المسابقة الرئيسية، وفي القاعات الرئيسية نفسها، ومنحها اهتماماً كبيراً، مقارنة بالسابق. صحيحٌ أنّ المسلسلات لمخرجين كبار، وضروريّ مشاهدة أحدث إنتاجاتهم، لكنْ ليس في مهرجان سينمائي، وفي مواعيد مزعجة للمُشاهدة. الأفدح أنّها تدفع المُشاهد إلى مُشاهدة أربع حلقات في أكثر من ثلاث ساعات ونصف الساعة في يوم واحد، واستكمال البقية في اليوم التالي. الأنكى من هذا أنّ مسلسل "تَنَصُّل" مثلا سيُعرض الشهر المقبل على شبكة "أبل"، منتجته، ما يثير سؤال سبب عرضه المُلحّ في المهرجان.

أمرٌ آخر مُلاحَظ أيضاً، ليس في "مهرجان فينيسيا" فقط، وإنْ بدا جليّاً فيه هذا العام: طول الأفلام. إذْ يندر عرض أفلام لا تتجاوز مدّتها 90 دقيقة، بينما باتت أفلام الـ120 دقيقة غالبةٌ. كما زاد عدد الأفلام التي تتجاوز مدّتها ثلاث ساعات، وأحياناً ثلاث ساعات ونصف الساعة. هذا ليس منوطاً فقط بالتطوّر التكنولوجي، إذْ يُعزى إلى تأثير المسلسلات التلفزيونية. كأنّ السينما تحاول، عبر صنّاعها، منافسة البثّ المباشر، بتقديم تجارب تحاول أنْ تكون أعقد وأكثر إثارة وتشويقاً ودراما، والأهمّ لأطول فترة ممكنة تسمح ببقاء المشاهدين في صالة السينما، وإنْ جاء على حساب فنّيات السينما وجمالياتها وسحرها.

أمر إضافي لافتٌ، يرتبط بالفواصل الزمنية، ما يُعرف بالاستراحة في منتصف العرض، والتي تتطلّبها عادةً الأفلام الطويلة. حدث هذا في عرض "الوحشيّ" لبرادي كوربيت. إذْ فجأة، ومن دون تنبيه إدارة المهرجان، عبر البريد الإلكتروني، أو في موقعه، أو في دليل العروض، توقّف العرض في منتصفه تقريباً، وظهرت صورة فوتوغرافية لها علاقة به، في وسطها عدّاد دقائق يعدّ الوقت عدّاً تنازلياً. تطلّب الأمر دقائق قبل انتباه الجميع إلى ما يحدث، ولم يصدق بعضهم ما يحصل إلّا بعد إضاءة نصف الصالة، فساد استهجان ودهشة. البعض غادر الصالة، للانتظار خارجاً، من أجل هواء نقي، ما اضطر المسؤولين إلى مناداتهم لإعادتهم إلى الصالة، لقرب انقضاء زمن الاستراحة.

الأكثر إثارة للسخرية والضحك، أنّه فور بلوغ العَدّ التنازلي عشر ثوان، بدأ نقّاد وصحافيون في العدّ التنازلي أيضاً بصوت مرتفع، كما يحدث قبل انقضاء عامٍ وبدء آخر.

المساهمون