مهرجان سالونيك: شبه الجزيرة السينمائية

09 نوفمبر 2021
من فيلم The man with the answers لـ ستيليوس كاميتسيس (موقع المهرجان)
+ الخط -

البحر ليس أمامنا فقط، بل يُحيطنا من ثلاث جهات. لا مفرّ منه، لكنْ لا حاجة إليه على أي حال. مكاتب "مهرجان سالونيك السينمائي الدولي"، الذي تُقام دورته الـ62 بين 4 و14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، ومقاهيه وصالات العرض المحاطة به، مع فسحة فيها متّسع لمحبّي السينما والمكتفين بالتنزّه، متنفسٌ ساحر بعد كلّ فيلم، بانتظار تعقيم الصالات بين عرض وآخر، في هذه المدينة اليونانية المليئة بالحياة والصخب وحبّ السينما.
هناك كل ما يدلّ على أنّ مهرجاناً عريقاً يُقام منذ 62 عاماً، في مدينة تقدّم له كلّ الدعم، ويحضره ضيوف كثر، جددٌ ومكرّسون. يتعذّر على البعض العثور على أمكنةٍ، ويتحدّث آخرون عن المدينة كأنّها مدينتهم. يكتشفُ الزائرُ المدينةَ بالطريقة الأوروبية، أي بمفرده، مع الخريطة اللعينة، ومعتمداً على ذاته، وعلى قدميه للتنقّل في مسافات معقولة، بين مكان الإقامة ومراكز العروض، في مدينة مليئة بالمقاهي والمطاعم. تهبّ فيها، عند كل رواح ومجيء، روائح شواء الشاورما والكُفتة (نعم، طبعاً)، منبعثة من مطاعم كثيرة متناثرة هنا وهناك، أو مُركّزة في حيّ معيّن. كأنّها إسطنبول، أو أي مدينة مشرقية ساحلية، بأبنيةٍ جميلة وأخرى متهالكة، وشوارع تضجّ بسيارات وحافلات وأناس، وبكلّ ما يميّز هذه الحيوية المتوسطية.
في المدينة، هناك أيضاً السينما، والمهرجان يُنظّم دورة واقعية، بعد عامين من الحضور الافتراضي، مع برنامج حافل يقترح نحو 200 فيلم، بعضها يُعرض في الصالات، وبعضها الآخر افتراضياً. الضيوف عادوا: فنانون ونقّاد وصحافيون وصناعيون، ونقاش مع الجمهور بعد أفلامٍ كثيرة.
الافتتاح معقودٌ على "الحدث" (2021)، للفرنسية أودري ديوان، الفائز بجائزة "الأسد الذهبي" في الدورة الـ78 (1 ـ 11 سبتمبر/ أيلول 2021) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي". مقتبس عن رواية بالعنوان نفسه للفرنسية آني إرنو، صادرة عام 2000، يسرد الفيلم قصّة صادمة عن شابّة في فرنسا، عام 1964، عندما كان الإجهاض مُحرّماً. فيلم الختام فرنسي أيضاً: "الأولمبياد" (2021) لجاك أوديار (حيّ رقم 13، باريس)، وتقاطع مسارات ثلاث شابات وشاب، تشغلهم تساؤلات عن الرغبات والصداقة والحبّ.
في دورة هذا العام ثلاث مسابقات رسمية، إحداها تُقام للمرّة الأولى. مسابقة الأفلام الروائية الطويلة تمنح جوائز "الإسكندر الذهبي" (10 آلاف يورو)، و"الإسكندر الفضّي" (5 آلاف يورو)، و"الإسكندر البرونزي أفضل إخراج" (3 آلاف يورو)، وجائزة للتمثيل. تتضمن 14 فيلماً، 3 منها من اليونان، والأخرى من تايوان وكمبوديا وجورجيا وايطاليا وبولونيا وفرنسا وبريطانيا وليتوانيا والمكسيك وكوستاريكا وكولومبيا.

أفلامٌ أولى لمخرجين شباب، يُقدّمون نظرة عميقة على العالم المعاصر، وصراعاته العائلية والاقتصادية. المسابقة الثانية اعتُمدت في العيد الـ60 للمهرجان، لتقديم نظرة على ما وراء الحدود، عبر "عدسات متفرّدة ومبتكرة"، لالتقاط كلّ ما هو جديد من مخرجين في أفلامهم الأولى أو الثانية. إنّها، كما يُفهم من عنوانها، "لقاء الجار"، المكّرس للجيران، رغم أنّ فيها 3 أفلام يونانية، بالإضافة إلى 9 من الجنوب الأوروبي (قبرص وجورجيا وهنغاريا وألبانيا وإيطاليا) وشرق المتوسط، والشرق الأوسط. فيها 4 أفلام عربية، وجوائزها تبدأ بـ"الإسكندر الذهبي أفضل فيلم" (8 آلاف يورو)، و"جائزة لجنة التحكيم" (4 آلاف يورو). من لبنان، هناك "كوستا برافا" (2020) لمونيه عقل، ذو الموضوع المثير للانتباه من دون إثارة، مع قصص نفايات لبنان التي تجوب العالم عبر المهرجانات. و"ع أمل تيجي" (2021) لجورج بيتر بربري، عن أربعة مراهقين لبنانيين، والتجارب الجنسية الأولى لهم مع بائعات الهوى. من مصر، هناك "ريش" لعمر الزهيري، في رؤيته المتميّزة لواقع البؤس الخاص والعام؛ و"سعاد" لآيتن أمين، عن المراهقة وأسرارها، والحياة الظاهرة والمخفية، المتجلّية في اللقاءات العنكبوتية لأختين من مصر.
المسابقة الثالثة، "فيلم إلى الأمام"، تعرض 11 فيلماً. يتميز هذا القسم بأفلام مبتكرة، يمكن تصنيفها بأنّها "خارج الصندوق"، وتجريبٌ لأشكال تعبيرية مختلفة. 3 أفلام يونانية أيضاً، بالإضافة إلى 8 من جورجيا وكرواتيا وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا والنرويج. هناك عروض أخرى لـ5 أفلام، لكنّها غير تنافسية.
يعطي المهرجان أهمية لرأي الجمهور، فيُقدّم أحد داعميه الرئيسيين 6 جوائز، 5 منها لأفلام في عروضها الأولى في اليونان، من ضمن تلك المعروضة في أقسامه التنافسية، وواحدة لفيلم يوناني. هناك جوائز أخرى عدّة تمنحها جهات داعمة لأفلام مختلفة.
يُلاحظ في "مهرجان سالونيك السينمائي الدولي" غنى البرامج الرئيسية والفرعية، وتنوّعاتها. فبالإضافة إلى ما سبق ذكره، تُنظّم ورشات عمل عن كلّ ما يخصّ صناعة السينما، إلى أقسامٍ أخرى: "خارج المسابقات الرسمية"، لأفلام فائزة في مهرجانات كبرى؛ وبرنامج لـ"سينما البلقان"، عن أحدث التيارات الجديدة في المنطقة للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة؛ و"آفاق مفتوحة"، بأفلامٍ من العصر، كـ"أميرة" (2020) للمصري محمد دياب، المعروض للمرة الأولى دولياً في الدورة الـ5 (14 ـ 22 أكتوبر/ تشرين الأول 2021) لـ"مهرجان الجونة السينمائي"، عن تمرير النُطف لسجناء فلسطينيين في السجون الإسرائيلية؛ و"قصيدة البقرة البيضاء" (2021) للإيرانيين بحتاش صنايعي ومريم مقدّم، عن أحكام الإعدام في إيران؛ وأفلام أخرى من أوروبا وأميركا اللاتينية.

يُلاحظ في المهرجان هذا الدعم للسينما اليونانية، التي تحضر في مسابقاته كافة، بالإضافة إلى قسم خاص بها، "مهرجان الفيلم اليوناني"، الذي يتضمّن 7 تظاهرات تعرض مختلف الأفلام اليونانية لمبتدئين ومُكرّسين.

المساهمون